الحياة الرهبانيّة بحسب تقاليد المشرق المسيحي
(الجزء الثاني)
1: 4- القراءات الروحيّة:
إن القراءات الروحية1 المسيحية والرهبانية قد تأثرت حقيقة بالعالم اليهودي، بغض النظر عن هذا، فان من الممكن أن يكون اوريجانوس أول من أوصى بدقة على ممارسة “قراءة إلهية” لكن علينا ان نعرف كيف انه من غير الملائم استخدام المصطلح “قراءة” في تحديد نوع الكتب الروحية في الوقت الذي كان يعني ذلك شكلاً من “مشاركة” وحوار مع الله. إن “تهذيب” الكتب المقدّسة يستدعي شيء من الرمزية الذي يغمرنا في الجو الكتابي، لكن اوريجانوس هو من ثبت هذه الصورة في التقليد الكنسي، فبالنسبة له فان الكتب المقدّسة والاوخارستيا هما مرتبطان بشكل وثيق لأن الكتاب المقدّس هو واحد من “تجسدات” كلمة الله “اللوغوس”.
يتفق جميع الآباء الروحيون على الحقيقة القائلة بأنه يجب تجسيد الحقيقة الموجودة في الكتب المقدّسة، لكن الموقف الاساسي للكشف المكتوب يمكن أن يتنوّع، وهنالك تعبيران مجازيان يشرحان جيّداً هذا الفرق: “الإبحار ثانية” و “التطهير في آبار يعقوب”. فالتعبير الأول استخدمه على نحو معروف الراهب الروسي التقليدي الذي سبق ذكره مرارا يوزف فولوكولامسكي2 اذ يقول: “ان الابحار الأول يكون باستخدام الاشرعة أي بواسطة الروح القدس، أمّا الثاني فيكون باستخدام المجاذيف أي الكتب المقدّسة”. فعندما يفتقر الناس إلى الأولى وذلك بسبب عدم استحقاققهم فحينها يلزم استعمال الشكل الثاني والتمسّك به.
أمّا رأي اوريجانوس فهو خلاف ذلك تماماً يتبعه في ذلك دورثيو من غزة 3، ففي البدء لم يكن للإنسان قاعدة اخرى للارشاد غير الضمير ذاته. وتلك “الآبار التي حفرها يعقوب” (تك26: 15)، قد ردمها الفلسطيين” لكن القراءات الالهية تطهّرها، لكن في هذه اللحظة اذا كان الضمير “فاسداً” فلا يتم التعامل على اساس ابداله لكن على اساس ايقاظه، وهذا هو التأثير الاساسي للتأمّل في الكتاب المقدّس. واذا كان الرأي الثاني يفضل الحرية المواهبية فعلى العكس من وجهة نظر يوزف فولوكولامسكي يمكن ان تتحول بشكل خطير إلى “معرفة كتابية” كما هو واضح بسهولة في مطالعتنا لتاريخ الحياة الرهبانية بصورة عامّة وفي الحياة الرهبانية الروسية بشكل خاص.
ففي البلدان السلافية كان للكتب سلطة واسعة. أمّا لدى اليونان فالبشرى السارّة كانت تمثل نصر البسطاء على تأثير الثقافات وسياسة الوثن. لكن في البلدان السلافية فعلى العكس، فالعالم المسيحي كان يقدم كعالم حضارة والذي نقلت تعابيره ذات الآفاق الثقافية الحديثة بسرعة كبيرة إلى العديد من اللغات الوطنية. ان اجلال الكتب يظهر واضحاً للعيان في جميع وثائق الرهبانيات. وهكذا فعلى سبيل المثال فبالنسبة لـ: نيل سكورسكي4 فان الحياة الروحية تعني: “العيش بحسب الكتب المقدّسة، واتباع الآباء القديسين”، والقوانين الرهبانية الروسية القديمة للتوبة تدين بحزم اولئك الذين لا يقرأون الكتب الروحيّة: “إذ انها اعطيت لنا لخلاص نفوسنا”.
1: 5- الكتابُ المقدّس:
كما تؤكد العديد من الدراسات، فإن للكتاب المقدّس دور كبير منذ بداية الحياة الرهبانيّة، فإذا كان باخوميوس قد الزم نساكه بتعلم القراءة فإن الدافع من وراء ذلك هو وضع الرهبان في مقام يمتلكون فيه الاتصال المباشر مع النصوص المقدّسة. أما اولئك الذين لم يكونوا من العارفين بالقراءة فكان عليهم الاصغاء بانتباه إلى القراءات اثناء التجمّعات “متأمّلين” و”مجترّين” لها طوال النهار، لكن ما الهدف من هذا؟
ان القوانين الاخلاقية لباسيليوس تظهر بأن الرهبان كانوا يستخدمون الكتب المقدّسة في المركز الأول كقاعدة لحياتهم. ولهذا السبب كانوا يركّزون انتباههم على جميع ما قيل بصيغة وصية والذي يشير إلى “القانون الجديد”. بالنسبة لأولئك المتواجدين في الاديرة فان باخوميوس يأمر يأن يتبعوا “قانون الكتاب المقدّس” ففي هذا السياق يجب ملاحظة أنه في المدارس القديمة للإمبراطورية فإن التعليم الأخلاقي كان يتبع الأمثلة أكثر من الوصايا. محولين هذا الموقف في محيط مسيحي، فالرهبان كانوا يبحثون في الكتاب المقدّس عن “أنماط” حياة كي يتشبّهوا بها.
فالكتاب المقدّس بالنسبة للتأمّليين هو الوسيطة للتسامي بالروح نحو الله، فالقديس يوحنا ذهبي الفم5 كان يختلي منعزلا حيث “يمكنه تعلم عهد المسيح عن ظهر قلب لكي يتخلّص بالتمام من الجهل” ومن جانب آخر كان المتفاخرون يبكّتون اذ كانوا يخصصون ذاتهم لبحوث غير ذات نفع لتبصرات مجدبة، اولئك الذين كانوا يريدون تقصّي الكلمات الالهيّة دون تمهّل. فبالحقيقة، بما ان الكتاب المقدّس يحتوي على اسرار، لذلك فيجب وبشكل خاص معرفة كيفية اجتناء المعنى الروحي لنصوصه.
يجب أيضاً ملاحظة أن في قراءة الكتاب المقدّس بذاتها فإن هنالك جانب مقدّس، فعندما يقال أن الكتاب المقدّس هو روحي فذلك يعني بأنه “مملوء بالروح” وهو “تجسيد اللوغوس” تحت صيغة الكلمات، لذا فالقراءة هي مثل وحدة روحيّة، وهنا يختم القديس يوحنا ذهبي الفم بقوله: “إن معرفة الكتب المقدّسة تقوّي الروح، وتنقّي الضمير، وتستأصل الشهوات الخانقة، وتزرع الفضيلة، وتخفف هموم الفكر، وتحول دون أن نكون مغمورين بصروف الحياة وتقلّباتها اللامتوقّعة، وترفعنا فوق دواهي الشيطان، وتسكننا قريباً من السماء ذاتها، وتحرر النفس من أوثقة الجسد، وتعطي لأجنحتها قوة التحليق، وتدخل في نفوس القرّاء كل الخير الذي لم يستَطع قوله”.
إنه لمن المثير كل ما يقال عن صانع المعجزات الراهب الروسي سيرافيم من ساروف6، إذ في فترة الابتداء كان يقرأ الكتاب المقدّس: “لم تكن قراءة بسيطة، لكنها كانت طريقة روحية خاصة للصلاة، وللتوبة، وللإستحواذ على كل ما يقرأ، إنها شكل معيّن من التنسّك، فقد كان يقرأ بهيئة الصلاة واقفاً أمام الايقونات، فالمبتدئ بروكورو (هذا كان اسمه قبل النذور الرهبانيّة) كان يقرأ وكانت قراءته في نفس الوقت تطبيقاً لما كان يقرأه بحسب كلمات مار يعقوب الرسول: “لتكونوا كأولئك الذين يطبّقون الكلمة وليس سامعون لها وحسب”. (يع 1: 22).
1: 6- البحث عن الحسّ الروحي:
لقد اختبر آباء الصحراء في بعض الأحيان أمام الكتب المقدّسة خليط من حسن التمييز والرهبة، فالذكاء البشري لا يمكنه التوصّل لوحده إلى فهم الحسّ الروحي فيها. فهو في حقيقة الواقع ليس قابلاً للفهم اذا اعتمدنا فقط على الدراسة، لكن وبشكل أكبر من خلال الصلاة، لأن هناك حاجة كبيرة لتنوير خاص معطى من قبل النعمة. وهذا لا يستبعد الحاجة إلى الجهد البشري. وفي هكذا معنى، فإن كل “الطرق” المتنوعة هي مسموحة في محاولتها للتقرّب من النصوص، أي ما معناه كل أنواع التفاسير الكتابية.
ففي المقام الأول نضع “التفسير الأخلاقي”، فالرمز الضروري لقراءة مثمرة يكمن في تطبيقها على سلوك وطريقة عيش مقدس. فالقوانين الأخلاقية لباسيليوس هي مثال رائع لهذا التطبيق، فما نفع معرفة واسعة في النصوص الكتابية إن لم يكن لها أثر كبير في تغيير نمط حياتنا؟ فمن هذا المنظور عندما يبدأ التركيز على القراءة الروحية عندها يفضّل قراءة القليل مختارين ما نحن بحاجة اليه. لذا يجب تركيز اهتمامنا قبل كل شي على ما هو مكتوب بشكل مبدأ أو قاعدة والذي بدوره يعبّر عن “القانون الجديد” أو بالاحرى تحويل انتباهنا نحو الشخصيات التي هي نماذج للفضيلة.
أما التفسير “الرمزي” أو “الاستعاري” فيبدو من الوهلة الأولى مختلفاً قليلاً. لكن في نهاية الأمر فإن غايته هي نفسها: “إيجاد تمثيل للحياة الفردية في تلك النصوص التي تمسّنا بشكل أقل مباشرة، على سبيل المثال في بعض الحقائق التأريخية او الأوامر في شريعة موسى والتي ان أخذت كصور يمكنها أن تطبق على المسيح وبالتأكيد على حياة أي مسيحي.
لكن يمكننا أيضاً الحديث عن المظهر “الاستذكاري” للقراءة الروحية، كما هو الحال في الليتورجيا: فالكتب المقدّسة تستدعي الماضي محوّلة إيّاه إلى حاضر بمقياس معيّن، ضامنة الابدية الفعّالة للأسرار الالهيّة. فكل من يقرأ يشعر بأنه متضمن في تاريخ الشعب المختار وكذلك في الحياة الأرضية ليسوع. ففي هذا المعنى يكون من المفيد قراءة الكثير. فالرهبان الذين كانوا يقومون بذلك على سبيل المثال الرهبان السريان كانوا يقولون بانهم كانوا يختبرون شعور اعادة احياء باطني لجذورهم الروحية. وهكذا أنواع من قراءة تطهّر النفس والعالم لأن النصوص الكتابية تحتوي على قوّة خاصّة.
1: 7- التأمّل:
يقال بأن ممارسة “التأمّل” هي متعلقة بشكل اساسي بالغرب واكثر من ذلك أنها ظاهرة حديثة العهد ويضاف إلى ذلك أنها قد لا تكون معروفة بالنسبة للرهبان في القرون الأولى. بداية علينا أن نميّز جملة المعاني التي تحتوي عليها كلمة “تأمّل” والطرق التي تتعلق بها. ففي العهد القديم كان يعبّر عن فكرة التأمّل بالفعل العبري (ihgh) والذي يقابله باليونانية (Meleta,w) وبالتالي في اللاتينية (Meditari= Meditatio) والذي منها اتانا المصطلح النهائي، فالجذر العبري السامي لهذا الفعل يقابله في العربية “هجا، قرأ” أي الهمس أو الدمدمة بصوت خافت (مز 1: 2)، وهذه هي الطريقة التقليدية “للحفظ عن ظهر قلب” لكل ما يقرأ بالتكرار.
وعلى نفس المنهج، فالتأمّل المسيحي هو الاستذكار وتكرار قراءة نصوص الكتاب المقدّس لتحويلها إلى غذاء النفس. ففي قانون باخوميوس نجد هذه التوصية: “على كل من يقرع الجرس لكي يجمع الاخوة، التأمّل بينما هو يقوم بالقرع”، “على كل من يقف على باب غرفة الطعام ليوزع الحلوى على الأخوة، أن يقوم بواجبه متأمّلاً بنصٍّ كتابي”.
يشير كاسيانوس إلى ان الرهبان الشرقيين باستمرارهم على هذا النوع من التمرين طوال النهار خلال فترة العمل اليدوي كان يحل محل الصلوات القانونية في كثير من المرّات. له الحق تيوفانوس الحبيس7 عندما يصرّح بأنه بالنسبة للرهبان القدامى كان الفعل “تأمّل” يعني فعل التعلّم عن ظهر قلب كلمات الله وتكرارها بصورة متواترة إلى أن تتحول أفعالنا وكلماتنا ومشاعرنا كما يقال “متّشحة” بالكتاب المقدّس وأن يمتلئ قلبنا من حلاوة كلمة الله. ففي هذا السياق فإن التأمّل هو مرادف لـ: “الصلاة غير المنقطعة”.
1: 8- السّير الروحانيّة:
إن فكرة المحافظة على ذكرى الأبطال العظام وأنماط حيواتهم الجليلة لم تكن وليدة المسيحية. ففي الوثنية القديمة نجد العديد من التراجم وسير حيوات الفلاسفة والأبطال. لكن علينا الانتظار حتى منتصف القرن الثالث كي نجد سير حياة مسيحية. فالسيرة الأقدم والتي يمكننا تسميتها كذلك هي “حياة وعذابات قبريانوس”8 التي كتبها شمّاسه بونزيو. أما بالنسبة للرهبان الغربيين فان جيرولامو9 قد كتب “سيرة حياة بولس” و”سيرة حياة ايلاريون”10. وفي الشرق كانت تقرأ سيرة حياة أنطونيوس التي كتبها أثناسيوس11، وسيرة حياة القديسة ماكرينا12 التي كتبها غريغوريوس النيصّي13، وكذلك “قصص الرهبان” التي كتبها ثيودوريطس القورشي14. أمّا أروع سيرة حياة كتبت في القرن السادس فهي لكيرلس من شيتوبولي كاتب سيرة “حياة القديس ايوتيميو”15، وسيرة “حياة القديس ثيودوسيوس”16 ومن السير المهمّة أيضاً “سيرة حياة القديسة ميلانيا”17 و”سير حياة القديسون العموديون” أمّا في القرن العاشر فسيرة “حياة القديس أثناسيوس الآثوسي”18 تعرض لنا المؤسس الحقيقي للحياة الرهبانيّة في آثوس. أمّا الأدب الغريغوري والأثيوبي والسلافي فهو غنيّ جداً بسير حيوات القديسين.
الآن، إنطلاقاً من سرد حيوات هولاء القديسن يمكننا الاشارة إلى بعض الملامح العامّة بين هولاء القديسين. بدءً ان لجميعهم موقف يفضي إلى الرفض تجاه العالم، وعطش واضح للعيان للهيسيخيا19 والتي تعتبر مرادفاً للحياة الدينية المثالية. أما الحياة الرسولية ما عدا تحت شكل الارشاد الروحي فهي نوعاً ما غائبة تماماً. والأكثر من هذا، فإن السير الرهبانية تعطينا شهادة للمبداً الاساسي للروحانية الشرقية ألا وهو: ان الطريق الوحيد الذي يقودنا إلى التأمّل الصوفي هو العمل، ومن هنا تنبع جميع أنواع الحياة النسكية المعروفة لكم: التغرّب، أي الحياة في البلدان الغريبة، الطاعة الموصوفة مثل شهادة، الاماتات الجسدية، واكثر من ذلك تحت شكل الصوم المنقاد إلى ابعد الحدود، السهرات، العمل اليدوي، في بعض الأحيان كان القديسون يدّعون بالجنون للإنتصار على تجربة الشهرة الباطلة. وهم متفقون أيضاً على الانفصال عن المشاعر الاقاربية ورفض الاحترامات وحتى الكهنوت. وهذا الانفصال كان يقترح شكلاً من نمط حياة غير مستقرّة التي كانت تدفعهم للركض من بلد إلى آخر. مختصر الحديث، فانهم كانوا يعيشون حياتهم النسكية بكل الاشكال التي كانت تقودهم إلى السلام بالله.
كل هذه القصص قرأت وكان لها أثرها البالغ على حيوات الرهبان في جميع الحقب.
1: 9- كرازات الآباء:
إن كلمة كرازة باليونانية (o`mili,a) تعني التجمّع والصحبة، وبالتالي مقابلة من نوع ديني. فالمراسيم والكرازات الخاصّة بمؤلف ما نجدها بسهولة في “مجاميع” كما هو الحال مع كرازات يوحنا ذهبي الفم وغريغوريوس النزيانزي. وتحمل هذه المجاميع اسم “الكواريز” عندما يكون موصى بها جنباً إلى جنب مع كتب الاسرار بحسب الدورة الطقسية للسنة. وعندما تحدد هذه البنية الاساسية يمكن أن نجد تنوعاً ملوحظاً في المحتوى.
ان النصوص هي مختارة لوظيفة ذات بعد روحي: التأمّل الفردي أو القراءة الجماعية أو لقراءتها اثناء الطعام، أو الكرازة بها للعموم، أو بالأخص للقراءات الطقسية. بصورة عامّة فإن جامع الكرازات ليس بناسخ بسيط، وانما شخص يختار ويرتب بحسب فكره الخاص العناصر التي يرغب بتنظيمها. لذلك لدينا العديد من “الكواريز” المتنوعة، لكن العنصر الاساس يبقى ثابتاً ألا وهو الاشارة إلى “الآباء ذوو السراط المستقيم”. لذلك فالروحانية النقيّة التقليدية نجدها في الكواريز. أمّا التنوّع الكبير الذي نلقاه في هذه الكواريز الشرقية في العديد من الحالات هو نتيجة لتطبيق تقاويم طقسية مختلفة.
ان مجاميع الكرازات الخاصة باعياد المسيح أو القديسين تدعى بالكرازات الاحتفالية، وهناك مجموعة أخرى تدعى بكرازات الايام العادية وهي تكميلية وصفية أكثر منها كرازية، موجهة إلى القراءة الروحية ومرتبة بحسب اشهر السنة الطقسية. وهذه يجب أن تختلط بالسنكسار الذي هو مجموعة سير للقديسين مختصرة ومركّزة (شبيهة بسير الشهداء الرومانيين).
أمّا المؤلفون الرهبان فنجدهم يستشهدون بنصوص الآباء بصورة حرّة جدّاً. لذلك فعندما يراد معرفة أي من المصادر قد استخدم مؤلف ما في عرضه لهذه النصوص، فيجب حينها الاستشهاد بالـ”كواريز” لأنها الكتب المؤسسة للعقيدة الروحانية التقليدية التي كان يرتكز عليها.
1: 10- التأمّل الباطني:
سوف لن نتحدّث عن التأمّل الباطني20 لأن هذا الموضوع قد اسهبنا فيه في كتابنا “الصلاة”21، أمّا ما سنعرض ههنا فهو الـ: “qewri,a أي النَّظَريّة، من الفعل qewre,w أي نَظَرَ”، فالنظرية لا تؤسس “تطبيقاً” خاصّاً للرحمة، لكنها الموقف العام لحال الراهب. فالامبراطور جوستينيانوس يبدأ روايته 133 التي تعود إلى 539 بوصف يكشف لنا بصورة مباشرة الرأي الرفيع المقدّم لنا في تلك الحقبة للحياة الرهبانيّة المتّحدة بالتأمّل الباطني: “إن الحياة الرهبانيّة، هي مثل التأمّل الباطني الذي يطبق بحد ذاته، هي شيء مقدّس، فهي ترفع النفوس بشكل عفوي إلى الله، وهي نافعة ليس لمن يكرّس ذاته وحسب وانما تحمل عوناً أيضاً لجميع الآخرين، بسبب نقاوتها وتضرعها المتوجه نحو الله”.
عندما يبدأ جوستينيانوس بتشريع القوانين الرهبانية، فحينها كانت قد مضت ثلاثة قرون على وجود الحياة الرهبانيّة. فالحياة الرهبانيّة لم تنشأ من التركيز الواعي على على الكون “متأمّلون باطنيون”، فالراهب لم يكن يسعى سوى لأن يكون مسيحيّاً أصيلاً. والآن فالرمز غير القابل للنقاش للكمال المسيحي هو المحبّة، وكشفها الأكثر امتيازاً هو الشهادة، ومن ثم “الايمان المستقيم وحفظ وصايا الله”. فالروحانيّة “البدائيّة” في الكنيسة تعرّف اذن من خلال الروحانية “العمليّة” أو الفعّالة.
وهكذا نوع من المفاهيم لم يكن ليرضي النفوس الغارقة في الفكر اليوناني، الذين كانوا يؤمنون بأن هدف الحياة هو النظريات. حسناً، كذلك في المسيحية ستكون هذه الظاهرة حاضرةً بصورة مدهشة: الايمان والاعمال لا تقود بشكل مباشر إلى الكمال بل تقدّمنا إلى التأمّل الباطني. انه لمن المحتم أن المعنى “العملي” لن يختفي ابداً بل سيكون له ممثلين مقتنعين بين كبار المعلمين الروحيين في الشرق خصوصاً في البلدان التي نشأت فيها المسيحية قبيل الفلسفة اليونانية على سبيل المثال البلدان الناطقة باللغة السريانية.
ولكن حتى لو صحّ ذلك، فلا يمكن المبالغة في هذه النظرة المعاكسة في مختلف الأديرة. فعلى سبيل المثال، فحتى لو كان الراهب باسيليوس يعتبر مناصراً للنزعة “العملية” فذلك لن يلغي أن ليس عليه أبداً فقدان “التذكّر الثمين لله”، في كل ما كان يقوم به، لذا فانه كان يختبر أيضاً قليلاً من “التأمّل الباطني الخفي”. ففي هذا المجال فقد لزمت نهضة معينة أتت على مرّ العصور.
فالاطار والاصطلاحية للـ: “نظريّة” فقد ثبّتهما ايفاغريوس، لكنه لم يكن بحد ذاته من أقرّ المحتوى. فلقد ساهم في ذلك العديدون، لذا يجب توخي هذا الايهام الذي تبعاً له أصبحت الفكرة السائدة أن تأمّل الرهبان الشرقيين هو التأمّل الباطني بحسب ايفاغريوس. بل على العكس فغنى الاشكال المتعددة لتقاليد التأمّل الباطني كانت من دفعت مقاريوس القورنثي واصدقائه إلى تلك المغامرة التي ستنتج لاحقاً الكتاب المشهور “الفيلوكاليا”. لكن هذا أيضاً لا يمكنه ان يمثّل جميع التقاليد الرهبانيّة.
فالتأمّل الباطني مطروح كـ: “وسيلة تأليه” وهذا الكلام مدعوم بنصّ من ايفاغريوس: “عندما يسمح للشخص العاقل بالتأمّل الباطني بالثالوث الأقدس، عندها يدعى بالنعمة إلهاً، كونه اقترب من الصورة الكاملة لخالقه” بعبارة أخرى: من ناحية يقترح “التأمّل في الثالوث الأقدس” مثل قمّة للـ”نظرية” ومن ناحية أخرى فإن أية “نظرية” تقدمنا في الحياة الداخلية للثالوث الأقدس حيث الابن خلق متأمّلاً الآب بشكل أبدي.
1: 11- هل هنالك حاجة إلى تعريف كل من التأمّل الباطني والكمال؟:
إن الصلاة المستمّرة ترتكز على وحدة الصلاة مع الأعمال، لكن هل ان الصلاة أهم من الأعمال؟ أ ليس على المرء أن يكون كائناً متأمّلاً أكثر منه عمليّاً تبعاً لإمكانياته؟ وأخيراً يمكن التساؤل: ألا يتوافق ببساطة التأمّل الباطني بحد ذاته مع القداسة؟
اذا بقينا في دائرة هذه المصطلحات التي يطرحها ايفاغريوس يمكننا السماح بهكذا هوية. فتبعاً له فالشخص العاقل هو مخلوق يمكنه المعرفة “يتغيّر تبعاً لتنوعات تأمّلاته الباطنيّة”، أليس هذا التحوّل دليلاً على الكمال؟ لعدة اسباب راجحة كانت النسبة الأكبر من المتوحّدين تخاف الوهم بهذا الخصوص. في نص لفيلوكسينوس المنبجي ليس خالياً من التصدّي لهذا الموضوع اذ يتعامل مع هذه المشكلة بصورة صريحة ويتوصّل إلى بضعة خلاصات: إنّ القداسة تختلف عن التأمّل الباطني لسببين: 1- لأن التأمّل الباطني يمكنه ان يتواجد دون القداسة. 2- لأن القداسة يمكنها أن تتواجد دون التأمّل الباطني. والسبب النهائي لهذين التمييزين هو حرّية الله الذي يمنح تأمّله الباطني بشكل مجّاني. لكن هذه “النظرية” المجّانيّة هي ادنى من تلك المقتناة من خلال الطرق العاديّة للتطهير النسكيّة، لأنه من خلال المحبّة فقط، أساس الحياة النسكيّة، تعطى قيمة للكل، سواء للتأمّل الباطني بحد ذاته أو للكمال.
1: 12- الافخارستيا:
في الحياة الرهبانيّة القديمة كان سرّ القربان المقدّس يأخذ خلال القداس الذي كان يُشترك فيه، لكن الرهبان كمسيحيين متّقدين بنار الايمان فكانوا يتناولون القربان المقدّس خارج اوقات التقديس لوجوده محفوظاً في بيت القربان بداخل الأديرة أو بداخل صوامعهم. وتبعاً للتقاليد المنتشرة للأخذ من مائدة الآحاد التي فيها كانت تقام الافخارستيا الجماعية الوحيدة حيث كانت توضع العطايا المقدّسة الكافية لتناولها خلال الاسبوع.
يحدثنا كاسيانوس عن الافخارستيا اليومية التي كان يقوم بها رهبان مصر وكذلك عن القربان المقدّس المتناول يوم السبت وكذلك الأحد خلال الاحتفال الافخارستي. أمّا باسيليوس فيوصي بالتناول اليومي ويؤكد على ان العادة هي التناول أيام الأربعاء والجمعة والسبت والأحد، عندما، على أغلب الظن، كان يحتفل بالقداس الالهي. في غير ذلك يحدّثنا عن المتوحدين الذين كانوا يقومون بالتناول من اشكاله الباقية والمحفوظة على حدة. أمّا الرهبان الذين كانوا يصومون عن القربان المقدّس فلم يكونوا محترمين بل على العكس، نجد كثيراً في سير القديسين أحاديث عن رهبان كانوا يتناولون القربان مباشرة من أيدي الملائكة.
1: 13- أسرار التوبة ومسحة المرضى:
فيما يخص سرّ التوبة، علينا تقديمه بشيء من الدقّة: 1) أولاً، علينا التمييز بين الاعتراف الاسراري وبين كشف الأفكار للأب الروحي في نظر الارشاد الروحي والمتبوعة بصلاة لغفران الخطايا. 2) تعرف القوانين الرهبانيّة نوعاً من العقوبات الجماعيّة للخطايا والذي كان يقترح اقراراً شخصيّاً متبوعاً بالمصالحة. 3) كانت تعرف أيضاً صيغة اعتراف فردي يجري مع متوحّد في الحالات شديدة الأهمّيّة، أمّا لبقية الحالات الأخرى فإن آباء الصحراء كانوا واثقون بقدرتهم على تأمين الخاطئ بغفران للخطايا إذا كانت توبته صادقة. ففي الكتابات الروحيّة الشرقيّة في بعض الاحيان يتم الانتقال من معنى إلى آخر مما يقود القارئ المعاصر إلى نوع من التشويش بين التوبة كفضيلة وبين التوبة كسرّ، لكن هذا حاصل بسبب تقديمه لسر غفران الذنوب في كل المفهوم الواسع للكشف الالهي.
أمّا فيما يخص مسحة المرضى، نذكر بأنه منذ القديم فالرهبان القديسين والعذارى القديسات كانوا يمارسون على المرضى المسحة بالدهن المقدّس أو الدهن المأخوذ من المشاعل الموقدة على قبور الشهداء. هكذا، فكذلك في يومنا هذا نجد في العديد من الكنائس الشرقيّة ان هذا السرّ – حتى لو انه نادرا بسبب الشكل الاحتفالي للطقس- لم يكن يعطى فقط للمرضى، بل للأصحّاء أيضاً، آخذين بنظر الاعتبار أنّ كلّنا مرضى بسبب الخطيئة.
تأليف: توماس شبِدْلِكْ / ترجمة: الأنبا سامر صوريشو يوحنا الراهب
الهوامش:
1 (Lectio Divina) من اللاتينية، وتعني “قراءة الهية”، وهو مصطلح يستخدم في اللغات الأوروبية والغربية للدلالة على الشروحات والتفاسير الروحية للنصوص الكتابية بصورة عامّة، والنصوص الكتابية الطقسية بصورة خاصة. وتختلف عن كل من: قراءة الكتاب المقدس بذاته راجع ادناه 1: 5، والقراءات الروحية العامة التي تتناول الفضائل أو السير الروحيّة للرهبان راجع ادناه 1: 8.
2 ولد يوزف (1440-1515) في مدينة فولوكولامسك في روسيا من عائلة غنية، تعلم القراءة والكتابة في احد الأديرة حيث ترهب هناك في الدير وأخذ منصب رئيس الدير اثر وفاة رئيسه، لكن الانظمة التي فرضها على الرهبان لم تكن مستسيغة فترك الدير وتنقّل بين الأديرة إلى أن اسس بنفسه ديرا توحّدي قرب مدينة فولوكولامسك دعي بعدها باسمه، وكانت الطاعة المطلقة للرئيس هي القانون الاساس في الدير، فضلا عن أنه نظّم وعدّل بقية القوانين الديرية الاخرى. اعلن قدّيساً في الكنيسة الارثوذكسية عام 1591 ويحتفل بذكراه يوم وفاته التاسع من أيلول من كل عام.
3 الراهب والكاتب دورثيو ولد في انطاكيا بداية القرن السادس من عائلة غنيّة ومسيحية حقة، كانت رغبته منذ شبابه الدراسة وحسب، وفي سنة 525 قرر الدخول إلى الحياة الديرية في دير كان قد اسسه الانب سيريدوس في ضواحي غزة، حيث كان هنالك ايضاً كل من برسنافيو ويوحنا النبي كبار معلمي الحياة الروحية. وحوالي سنة 540 ترك ذلك الدير على اذر العزلة التامّة لبرسنافيو وموت كل من الانبا سيريدوس وحنا النبي، وبعد ذلك بفترة اسس له ديرا قريباً من غزة حيث قضى بقية حياته فيه.
4 يعتبر الراهب القديس نيل (1433-1508) قائداً للحركة الروسية التي قامت في القرون الوسطى ضد الكنيسة التي كانت تمتلك الاراضي لصالحها والتي دعيت بـ: “ضد الإمتلاكية”، وتكرمه الكنيسة الارثوذكسية بذكرى يوم رقاده في السابع من آيار. كان نيل يعمل كاتبا قبل أن يصبح راهباً، وتعاليمه اختلفت عن التعاليم القياسية للأرثوذكسية الروسية، فقد طوّر أفكاراً صوفية ونسكية يطالب فيها المؤمنين بالتركيز على العالم الداخلي والخبرات الشعورية الشخصية للايمان كسبل لتحقيق الوحدة مع الله، وكان يطالب رهبانه بالاشتراك بالعمل المثمر والكلام لدعم الاصلاح الرهباني انطلاقا من قاعدة نمط حياة متواضعة ومستقيمة.
5 يوحنا ذهبي الفم: اسقف القسطنطينية ومعلم اللكنيسة، ولد حوالي سنة 349 عرف بالواعظ العظيم، قام بالعديد من الاعمال التبشيرية وكتابة العديد من التفاسير والشروحات في الكتب المقدسة وتفاسيره الكتابية تمثل حوالي نصف التفسير الكتابي الانطاكي الذي كتب باللغة اليونانية، وما يقارب الـ 40% من كل التفسير الانطاكي. نفي عدة مرات حتى وافته المنية في منفاه الاخير قرب البحر الاسود 14/9/407. للمزيد راجع كتاب الأب منصور المخلّصي، مدرسة أنطاكيا، بغداد 2007، ص 100-131.
6 ولد بتاريخ 19/7/1759 كورسك في روسيا، وتوفي 2/1/1833 في مدينة ساروف، بحسب الكنيسة الشرقية الارثوذكسية يعتبر من أعظم قديسي القرن التاسع عشر، عرف بنقله التعاليم الرهبانية في التأمّل الباطني والتبصّر ونكران الذات الى العلمانيين، وعلّم بأن هدف الحياة المسيحية هو اقتناء الروح القدس. اعلن قديساً سنة 1903. لشخصيته طابع مسكوني حيث يذكره البابا يوحنا بولس الثاني قديساً في احد كتبه. إن كل ما نعلمه عن هذا القديس يعود الى ما كتبه نيكولاس موتوفيلوف أحد أبناءه الروحيين.
7 ولد في قرية شيرنافسك 1815، في أوكرانيا الحالية، تلقى تعليمه في عدة مدارس كهنوتية، ونال الدرجات الرهبانية بينما كان يدرس سنة 1841، واصبح بعد ذلك معلماً في مدرسة اللاهوت بكييف حتى وصل الى التدريس في الاكاديمية في بطرسبرغ، سافر الى اورشليم والقسطنطينية كسفير للكنيسة الارثوذكسية الروسية. سنة 1859 عيّن اسقفاً على تامبوف وبعدها على فلاديمير. سنة 1866 خصص نفسه للقراءة والتأليف في احد الأديرة، وفي سنة 1872 قرر الاعتزال التام عن الحياة . توفي سنة 1894 بعد مرض الم به. عرف كمؤلف للعديد من الأعمال الأدبية خاصاً في احقل الحياة الروحية، وكان له الدور الأكبر في نقل كتاب الفيلوكاليا الى اللغة الروسية. اعلن قديساً في الكنيسة الروسية الارثوذكسية المحليّة سنة 1988.
8 ولد في قرطاجة (تونس) سنة 210، وبعد 3 سنوات من اعتناقه المسيحية اختير اسقفاً لمدينته، بقي يعيش في الخفية نتيجة لاضطهادات فاليريانو، وبعد ان علم بانه حكم عليه بالموت عاد الى مدينته لكي يقدم شهادة للشعب المؤمن هناك، فاعدم وكان ذلك سنة 258.
9 ولد سنة 347 في تريدوني (كرواتيا)، في عائلة مسيحية التي ارسلته للدراسة والتعلم فاكمل دراسته في روما حيث نال العماذ سنة 366 وعاش ايمانه بين جماعة شديدة الحماس، وعزم بعدها الذهاب الى الشرق فوصل الى جنوب حلب وعاش هناك الزهد الرهباني وحسّن لغته اليونانية وتعلّم العبرية. سنة 382 عاد الى روما واصبح معاونا للبابا داماسو وبدأت شهرته من خلال اعماله الادبية وخاصة لأن الكتاب المقدس كان مركز حياته فلقد قام بترجمته من اللغات الاصلية الى اللغة اللاتينية والتي تعد من الترجمات الاولى للكتاب المقدس والمعروفة بالـ”فولجاتا”. وبعد وفاة البابا عاد الى الشرق مجدداً ولكن هذه المرة الى مصر أرض الرهبان والمتوحّدين، ومنها ذهب الى الاراضي المقدّسة حيث بقي حتى وفاته في قلايته بقرب مغارة بيت لحم بتاريخ 30/9/419 (420).
10 القديس ايلاريون من غزّة، ولد من عائلة وثنيّة حوالي سنة 291 في طابتا في فلسطين، ارسل الى الاسكندرية لأكمال دراسته حيث اعتنق المسيحية والتحق بعد ذلك بالقديس الأنبا انطونيوس الكبير. زار بلده الأم على اثر وفاة والديه فقسم الميراث على اخوته وعلى الفقراء وترك المنطقة لينعزل في ميومة تماما في حياة الصلاة والعمل اليدوي ودراسة الكتب المقدّسة، وبالرغم من صعوبة الحياة آنذاك فلقد عاش 80 عاما. توفي في بافو سنة 372، ونتقلت رفاته الى دير ميومة من قبل تلميذه ايوسيبيو.
11 أثناسيوس اسقف الاسكندرية ومصر، (295 – 373) من كبار المدافعين عن الوهية المسيح ضد الآريوسيين، تلك العقيد التي ثبتت في مجمع نيقية 325، ولهذ نجده قد ذاق العديد من الاضطهادات ونفي 5 مرات. اشتهر بكتابته سيرة حياة الانبا أنطونيوس الكبير وتقديمه مثال الحياة الرهبانية للغرب.
12 وهي اخت كل من القديسين باسيليوس الكبير وغريغوريوس النيصّي، هي راهبة عرفت بحبّها للكتاب المقدّس لذلك انعزلت عن العالم وانطلقت الى عالم العزلة لتصبح مثالاً بحبها لله وباستغنائها عن العالم الفاني، دعيت أيضاً بماكرينا اليافعة لأنها كانت تحمل اسم جدّتها القديسة ماكرينا الكبيرة، توفيت حوالي سنة 380.
13 اسقف قيصرية قبدوقيا (335 – 395)، كان على العكس من أخيه باسيليوس اذ بدأ حياته مختاراً دراسة الفلسفة والبلاغة، لكن عندما انتخب اخيه باسيليوس اسقفا على قيصرية طلب منه ان يصير هو وصديقه غريغوريوس النـزيانزي أساقفة على نيصّة وساسيما. وكأسف عانى غريغويوس العديد من المحن بسبب الآريوسيين إذ نفاه الامبراطور أريانو فالينتي سنة 367، لكنه اعيد الى منصبه بعد كشف دجل المناوئين له. لقّبه آباء مجمع القسطنطينة الأول 381 بدعامة الايمان المستقيم.
14 ولد في أنطاكيا حوالي عام 393، كرس لله منذ صغره. أصبح اسقفا على قورش في سوريا، ويعد آخر أعظم لاهوتي من المدرسة الأنطاكية، وهو أحد أكبر اصدقاء نسطوريوس وخصم كبير لقيرلس الاسكندري. كتب العديد من الاعمال التفسيريّة والعقائديّة والتاريخية… الخ. توفي حوالي سنة 457. للمزيد راجع كتاب الأب منصور المخلّصي، مدرسة أنطاكيا، بغداد 2007، ص 181 – 221.
15 الأنبا ايوتيميو، ولد سنة 377 في ميليتيني في أرمينيا، وتوفي بتاريخ 2/1/473، كرس لله منذ صغره، وانتقل للعيش في اورشليم، ومات بعد سنين طوال عرف خلالها بتواضعه ومحبته ومحافظته التامّة على الانظمة الرهبانيّة.
16 ثيودوسيوس الناسك (423 – 529) عاش في اليهودية ويعتبر صديقاً للقديس سابا، جمع اليه العديد من الرهبان بعد حياة عزلة طويلة قضاها، وهكذا مارس الحياة الرهبانية الجماعية في الأديرة التي اسسها بنفسه، مات بعد أن حارب طويلاً من أجل الايمان القويم.
17 ميلانيا الشابّة: كانت لهذه القديسة رغبة عميقة في الحياة الرهبانيّة لكنها اجبرت على الزاج من ابن عمها بنيانو وهي بنت 14 عاما، وبعد وفاة ابنيها مارست حياة توبة وعفة، وبعد فترة تركت روما ورحلت مع زوجها حتى وصلت الأراضي المقدّسة حيث دخلت الى الدير وانتمى زوجها الى جماعة رهبانية هناك، وزعوا اموالها على الفقراء وعاشت حياة تعبق بالقداسة توفي زوجها سنة 432، أمّا هي ففارقت الحياة بميتة فاضلة سنة 440، عرفت قديسة في الشرق لمدة طويلة قبل ان يسمع الغرب بها حوالي القرن التاسع، وأعلنت قديسة سنة 1908.
18 ولد لعائلة من أصول أنطاكية بين (925 – 930)، تعلم في القسطنطينية حيث تعرف على الانبا ميخائيل ميلينوس رئيس دير كيميناس، فترهّب لديه وحوّل اسمه من أبراميوس الى أثناسيوس، في سنة 959 هرب من الدير كي لا ينتخب رئيسا للدير، فذهب الى جبل آثوس حيث كان هناك العديد من النسّاك، وهناك تعرّف عليه حفيد الانبا ميخائيل الذي أصبح بعد حين امبراطوراً على بيزنطة فاغدق عليه بالكثير من المنح منها بناء الدير الكبير على الجبل باسم العذراء، وشيئاً فشيئاً اخذ الدير وما حوله سلطة خاصة عن الامبراطورية وحتى عن بطريرك القسطنطينية. وفي هذه الاثناء انشغل القديس اثناسيوس بصاغة قوانين الحياة الرهبانية على انها قوانين ديرية نسكية. وتعزى الى القديس العديد من الشفاءات والاعاجيب، توفي بتاريخ السابع من تموز في احدى السنوات بين 1001 و 1004.
19 من اليونانيّة (h`suci,a) وتعني السكون والصمت، وهي تقليد نسكي للصلاة والتأمّل في الكنائس الشرقية الارثذوكسية والبزنطية الشرقية، وفكرتها مستلهمة من (مت 6: 5-6) اذ تدعو الى الرجوع الى الذات والدخول بذلك الجو الصامت والمقفل لاختبار معرفة الله من خلال الصلاة.
20 (con+templum= contemplatio) من اللاتينية، وتعني تأمّل العيون أو تأمّل العقل، وهو فعل تفحّص أو مراقبه الفضاء أو السماء أو تمثال أو شخص ما، وهو بالتعبير المسيحي فعل التأمّل الروحي العميق المرتكز على النظر الى الاسرار الالهية ومحاولة التفكر بها، ويختلف هذا التأمّل (Contempaltion) عن التأمّل (Meditation) الوارد ذكره اعلاه 1: 7.
21 Tomáš Špidlík, La Preghiera secondo la tradizione dell’Oriente cristiano, P. 159-252, 2002 Lipa Slr, Roma.