تاريخ المركز الثقافي
نُبذة تاريخية مُختصرة عن خزانة الرهبنة الأنطونية الهرمزدية الكلدانية للمخطوطات السريانية – العراق
إنَّ خِزانة المخطوطات للرهبنة الأنطونية الهرمزدية الكلدانية، لها تاريخٌ عريق، فهي واحدةٌ من أكبر المجموعات الدينيّة الخاصّة التي تحتفظ بالمخطوطات القيمة في العراق وتحتوي على المئات من المخطوطات في شتى الحقول منها: الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد مع تفاسير الآباء والليتورجية والصلوات والفلسفة واللاهوت والقانون والتاريخ واللغة والأعمال الأدبية المتنوعة. مُعظُم هذه المخطوطات هي مَكتوبه باللغة السريانية وبعضها بالسورث والعربية وأخرى بالتركية والفارسية والعبرية. تضم خزانة الرهبنة العديد من المخطوطات القديمة التي تتراوح اعمارها مابين القرن الثامن الميلادي وحتى ايامنا هذه، إلى جانب ارشيف المراسلات الشخصية للعديد من الشخصيات المعروفة من بطاركة واساقفة ورؤساء عامين ورجال دين ودولة، فضلاً عن ارشيف الصور والتوثيقات السمعية والبصرية والمقتنيات الاثريّة والذخائر والطوابع وغيرها كثير…
بعد تجديد الحياة الرهبانية في دير الربّان هرمزد وتأسيس الرهبنة الأنطونية الهرمزدية الكلدانية سنة 1808، وجدنا للمرة الأولى مجموعة من المخطوطات الطقسية والتعبدية والكتابية التي كانت قد جُلُبت إلى مكتبة الدير وبدأت هذه المجموعة بالأزدياد مع أنتشار العمل الراعوي للرهبان في قرى شمال العراق الحديث، لكن المكتبة بدلأت بالوصول إلى أوجِها مع مدرسة الكهنة التي أنشأها الرُهبان في الدير والتي أسست سنة 1880 على يد الأب شموئيل جميل قبل أن ينُتخبَ رئيساً عامٍ للرهبنة بعد سنة.
كان الأنبا شموئيل جميل واحداً من الشخصيات المؤثِرة والمُفكرة في مجالاتٍ عدّة في الكنيسة الكلدانية في ذلك الزمان. وكان قد عاونهُ في إدارة المدرسة الأب إرميا إيليا بن أسحق المقدسي الذي أصبح أُسقفاً لزاخو متخذاً أسم مار طيمثاوس مقدسي (ت 1929)، وكان الآخر أيضاً مؤلفاً لعدّة كتب باللغة السريانيّة وكتابين بالسورث، وكان يعمل على شراء وإقتناء المخطوطات، وساهم في دراسة المخطوطات وتشجيع الرهبان والكهنة في رهبنتهِ على النشاط الثقافي.
في تاريخ هذه المكتبة نجد أنها قد عانت من عدّة تَنقّلات. ففي المرة الأولى بعد تجميعيها وإعادة أفتتاح الدير، نُقلت (سنة 1869) من دير الربّان هرمزد إلى دير السيدة مريم العذراء حافظة الزروع الذي كان بني في سهل القوش سنة 1858، ومن هذا الدير الجديد أخذت مجموعة المخطوطات هذهِ إسمُها حيث في (سنة 1906) نُشِرَ أول فهرست باللغة الفرنسية يحملُ أسم مخطوطات دير السيدة مريم العذراء حافظة الزروع. أحتوى هذا الفهرست على وصفٍ لـ(153 مخطوطة) قام به المطران الشهيد أدي شير ونشرَهُ بالمجلّة الأسيوية في جزئين:
Scher, A., “Notice sur les Manuscrits Syriaques Conservés dans la Bibliothèque du Couvent des Chaldéens de Notre Dame des Semences”, JA Tome VII/Dixième Série (1906) 479-512; and Tome VIII/Dixième Série (1906) 55-82.
وبعد عقدين من الزمن في (سنة 1929) نُشِرَ الفهرست الثاني على يد المُستشرق البلجيكي جاك-ماري فوستي الدومنيكي باللغة الفرنسية أيضاً والذي جدّد الفهرست السابق وأضاف وصفاً لمخطوطات اخرى ليَضُمَ مجموعة من المخطوطات تبلغ (330 مخطوطة):
J.-M. Vosté, Catalogue de la Bibliothèque Syro-Chaldéenne du Couvent de Notre Dame des Semences près d’Alqoš (Iraq) (Rome & Paris 1929).
وبسبب عدّة عوامل سياسية-مناطقية خلال السنوات 1963-1964 قام الأب عبد الأحد ربّان (ت1998)، والذي كان في حينها المدبر الأول للرهبنة، ومن ثم رئيساً عامّاً (1964-1971)، وبعدها أسقفاً على عقرة والزيبار (1980- 1998)، أمر بأخفاء هذهِ المخطوطات -وبشكلٍ مؤقت- في دير مار كوركيس في الموصل، إذ ظنّهُ مكاناً آمَن للمخطوطات أكثر من دير السيدة في القوش. فبقيت هذه المخطوطات هنالك لمدة عشرة سنوات حتى سنة 1974، وهذه هي الإنتقالة الثانية والتي عَلِمَ بها القليل من الناس، حيث نجد المُستَشرِق ماكُمبير الذي كتب عن المخطوطات وتواجدِها في دير ماركوركيس في هذهِ السنوات. وقد شرح الرهبان الأسباب التي أدّت إلى إنتقال المخطوطات إلى دير ماركوركيس بشكلٍ شفوي ولم يُكتب عن ذلك لحساسيّة الموقف.
في سنة 1969 بُنيَ ديرٌ جديد للرهبنة تحت حماية القديس مار أنطونيوس في بغداد وكان الرئيس العام الجديد المُنتخب سنة 1971 الأب أبراهيم الياس (ت 2012) قد أمر بأن تُنقل كُل هذه المخطوطات إلى العاصمة بغداد لكِي تُحفظَ جيداً هناك. وفي سنة 1988 تَمَ فهرستِها للمرة الثالثة بجزئين وباللغة العربية هذه المرّة، وبهذه الفهرسة أخذت المخطوطات أسم الرهبنة الأنطونية الهرمزدية الكلدانية وليس دير السيدة كما في السابق. قامَ بهذهِ الفهرسة كُلٍ من بطرس حداد و جاك أسحق و نُشِرَت في سلسلة مجلة مجموعة العِلم العراقي سنة 1988، وضمت المجموعة في حينها على (1176 مخطوطة):
المخطوطات السريانيّة والعربيّة في خزانة الرهبانية الكلدانية في بغداد: الجزء الأول المخطوطات السريانية (977 مخطوطة)، الجزء الثاني المخطوطات العربية (199 مخطوطة).
هذا الفهرست الجديد يحوي وصفاً مُتكاملاً لمحتويات المخطوطات وهو الفهرست الثالث والانتقالة الثالثة لهذهِ المجموعة.
في سنة 2006 وبسبب الوضع السياسي المُتأزم في العراق، وفي الخصوص في بغداد، قام الرئيس العام للرهبنة الأنبا جبرائيل (وحيد) كوركيس توما وبمساعدة أخوتهِ الرهبان اللذينَ تَطوعوا لنقل المخطوطات للمرة الرابعة من العاصمة بغداد إلى ألقوش، هذهِ النقلة تمت على مرحلتين: الأولى في حزيران 2006 والثانية في شهر كانون الأول من نفس السنة. ونُقلت بصعوبة ومخاطر جَمَة ووصلت سالِمة مُجدداً إلى دير السيدة في القوش. وفي سنة 2014 بعد دخول الدولة الأسلامية في العراق والشام إلى مدينة الموصل وأقتِرابِها من القوش وفراغ قرى سهل نينوى من سكانهِا وفراغ الدير ذاتهِ من الرهبان لليلة واحدة، قرروا وتحت ضغوط صعبة أن ينقلوا المخطوطات للمرة الخامسة من دير السيدة إلى مكان آمن شمال العراق فوقع الإختيار على مدينة زاخو وبرعاية المطران ربّان القس فنقل الرهبان المخطوطات إلى هناك وبَقيت فترة من الزمن، ولم يرتح الرهبان لبقائها هناك وخوفِهم عليها فقرروا نقلها مرّة أخرى إلى دير السيدة وبقيت أيامًا قليلة في دير السيدة ومن ثَمَ نقلوها إلى عاصمة أقليم كوردستان العراق في أربيل.
في مدينة عنكاوة يروم الرهبان إلى بناء مركز ثقافي ودير للرهبنة للمحافظة على هذه المخطوطات ودراستِها وفهرستِها من جديد وأضافة مجموعة أخرى من المخطوطات والتي ضُمَت إلى هذهِ المجموعة ووضعِها بعد التصوير على شبكة الأنترنيت ليستفيد منها الباحثين، إذ بعد ثلاثة عقود من الزمن اغتنت المجموعة بالعديد من المخطوطات التي جمعت من بقية الأديار التابعة للرهبنة ومن المكتبات الخاصّة بالاخوة والآباء الرهبان المتوفين والهدايا والتي لاتزال دون وصف وفهرسة لحد يومنا هذا.
- الى جانب المخطوطات كان للرهبنة الدور الرائد في التاليف والنشر مع قدوم المطابع للعراق فقد ساهم الرهبان بنشر مؤلفاتهم بعدة لغات وطبعها في المائة سنة المنصرمة فقد طبعوا 20 كتاباً …
- بعد تاسيس اللجنة الثقافية في الرهبنة سنة 1996 بدأت الرهبنة باصدار مجلة ربَّنوثا ܪܒܢܘܬܐ والتي استمرت بالصدور حتى سنة 2009.
- وبافتتاح مركز جبرائيل دنبو الثقافي سنة 2002 في بغداد كدار نشر للرهبنة قام الرهبان بنشر 60 كتاباً اغلبها تحقيق لمخطوطات تاريخية وكنسية ومنها الكتب اللغوية والقواميس …الخ.