تذكار مريم العذراء حافظة الزروع في دير السيدة – القوش

دير السيدة مريم العذراء حافظة الزروع، تاريخ يفوق 160 عامًا. شيّد عام 1858 على قطعة أرض تعود ملكيتها الى الرهبنة الأنطونيّة الهرمزديّة الكلدانيّة. وبعد أن انتقل إليه الرهبان من دير الربان هرمزد بدأوا بمزاولة نشاطاتهم التي لا تعد ولا تحصى، ومن أهمها تقديم الخدمات الروحية داخل الدير وخارجه على نفس النهج الذي كان يعمل به في دير الربان هرمزد. واستمر المؤمنون من كل الأماكن يؤمّون الدير لزيارته والتبرك منه حتى هذا اليوم، وغدا هذا الدير قبلة للأنظار، بل اصبح رمزاً دينياً وحضارياً وتراثياً على مستوى البلاد والعالم.
يحتفل الدير سنوياً بعيده في 15 آيار وهو تذكار مريم العذراء حافظة الزروع بحسب طقس كنيستنا الكلدانية. على مر السنين أبدع رؤساء هذا الدير ورهبانه من كل سنة في إحياء وتهيئة برامج تليق بمقام هذه السيدة المباركة، ولما لا، فالأبناء يتذكرون جيداً أبيهم المؤسس الشهيد الأنبا جبرائيل دنبو عندما افتتح دير الربان هرمزد سنة 1808 قد وضع ديره ورهبانه تحت حماية القديسة مريم العذراء شفيعة لهم. وكذلك عندما اتخذت الرئاسة العامة وكافة اعضاء الرهبنة قراراً بالاجماع لإنشاء هذه الدير كانوا يفكرون مليئا بان يكون تحت اسمها. ويذكر تاريخ رهبنتنا (الحوليات) إن معظم الآباء والإخوة الذين كانوا ينطلقون الى الرسالات للعمل الرعوي، كانوا يتوكلون منذ خطوتهم الأولى على العذراء لتعينهم في أوقات الصعاب. فمن بين هذه العادات والتقاليد لهذه المناسبة المباركة، نذكر: إحياء القداديس لهذه المناسبة ويعقبها التطوافات الكبيرة، تمتد حول أسوار الدير الخارجية مع محاذاة الأراضي الزراعية، بحضور اكليروس القرى القريبة من الدير، وكان يحضر في الكثير من الأحيان أساقفة للمشاركة أو ترأس الاحتفالات قبل تثبيت الكرسي الأسقفي لإيبارشية القوش وحتى من بعدها، والعديد من الشمامسة وحشود من المؤمنين تملأ المكان. وكانت العادة الجارية بان تهيأ سنابل الحنطة ويتم تقديسها وتوزع على الجمع الحاضر كبركة للمناسبة، وفي السنوات الأخيرة توزع صورة تذكارية لمريم العذراء. أما الجماعة الحاضرة فلا يغفل عنها في هذه المناسبة إعداد الاطعمة وتبادل الحلويات فيما بينهم كتعبير على المشاركة الصادقة كما تقوم رئاسة الدير بذات المشاركة في كل سنة مع الحاضرين. وتطورت الفعاليات في السنوات الأخيرة، الى إقامة سهرات مريمية تتضمن صلاة مسبحة الوردية والتراتيل والطلبات والقراءات التأملية، ومسيرات صلاة الوردية بين الديرين، وتكررت لأكثر من مرة. دعاؤنا ورجاؤنا: أن تعود تلك التقاليد والعادات الطيبة، الجميلة والبريئة، وتلك الحماسة التقوية الإيمانية في إكرام أمنا مريم، وأن نستذكرها من خلال الورود التي نأتي بها من حدائقنا وأرضنا وأعمالنا، فنقدّمها كعربون حبٍّ ووفاء لها، وذلك إكرامًا لها وشفاعةً عند إبنها يسوع مخلصنا وفادينا.
أما في هذه السنة 15 آيار 2020 فلقد اقتصرت المناسبة على الاحتفالات الطقسية لهذا العيد بشكل محدد وحسب، بخلاف الاحتفالات التقليدية التي تجري كل عام، بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا. إذ في تمام الساعة التاسعة صباحاً، بعد قرع ناقوس الدير الكبير، بدأ القداس الاحتفالي الذي ترأسه الأنبا د. سامر صوريشو يوحنا الرئيس العام للرهبنة الانطونية الهرمزدية الكلدانية، مع الآباء والإخوة الرهبان الكلدان، وشارك في القداس سيادة الحبر الجليل المطران مار ميخا مقدسي راعي إيبارشية القوش الجزيل الاحترام، وكهنة الرعايا الاجلاء وبعض الشمامسة الافاضل القاطنين داخل القوش، وعدد من الأخوات الراهبات الفاضلات. عقب اختتام القداس أنطلق الجميع في زياح من الكنيسة الى الباحات الداخلية للدير، حاملين إيقونة العذراء والصليب معاً، وسط التراتيل الطقسية والمدائح المريمية. واثناء الزياح قام الرئيس العام باعطاء البركة بالأيقونة لقرى سهل نينوى وأراضيها واختتم الزياح بالبركة للحاضرين بيد راعي الابرشية الجليل. وبعد تبادل التهاني والتبريكات بين الحاضرين، تناول الجميع غداء المحبة على مائدة الدير العامرة.
وتجدر الإشارة الى أن الرئيس العام وبعد قراءة الإنجيل قال في موعظته التي حثَّ من خلالها على انتزاع عامل الخوف الذي فينا، فالمؤمن وحده الذي لا يخاف ولا يفزع، أ لم يقل هذا ملاك الرب جبرائيل للعذراء عند بشارتها؟ “لا تخافي يا مريم، فقد نلتِ حظوةً عند الله” (لوقا1: 30). وها هي هذه الأم اليوم، والتي عبر تاريخ الكنيسة قد نالت وتزينت من النعم والصفات باستحقاق وجدارة كبيرتين، إننا اجتمعنا في هذا المكان المقدس، لنعيّد عيدها ونقول لها: يا مريم حافظة الزروع، احفظي شعبك واولادك، اعضديهم وازرعي فيهم قوة الإيمان بدل الخوف، نقي ضمائرهم بدل الشك، افتحي بصائرهم ليعترفوا بالحقيقة، التي هي أنت ومن خلالك نصل الى ابنك يسوع كلمة الله الوحيد، من دون تردد أو ارتباك، محافظين على مثالك الحسن في وديعة الإيمان والتقوى الصالحة كل أيام حياتنا… آمين.
لتكن شفاعة سيدتنا مريم العذراء حافظة الزروع لهذه السنة، أن تنقذ البشرية وتحميهم من هذا الوباء الفتاك، ومن كل الأوبئة البشرية القاتلة والبعيدة عن روح الإنسانية.
عيد مبارك للجميع