أشور ياقو البازي


ولد الربان هرمزد مؤسس الحياة الديرية في دير الربان هرمزد في بيت لافاط (شيراز) من مقاطعة الأهواز في أواخر القرن السادس الميلادي، من أبوين شريفين هما يوسف وتقلا.

دخل المدرسة في مدينته وعمره اثنتا عشرة سنة، وتلقى مبادئ العلوم الدينية واللغوية، ونبغ في علوم الكتاب المقدس التي كانت تستهويه، وفي العشرين من عمره شعر برغبة قوية في الأنقطاع إلى حياة التنسك والزهد، فعزم أولاً على زيارة الأماكن المقدسة، فترك ذويه ورحل صوب فلسطين وبعد مسيرة سبعة وثلاثين يوماً وصل مدينة (حالا) الواقعة بين نهري رادان وديالى، وهناك صادف ثلاثة رهبان من دير برعيتا (ابن الكنيسة) الواقع في منطقة المرج، فأقنعوه بالإقلاع عن عزمه ومرافقتهم إلى الدير، والرهبان الثلاثة هم يعقوب من كفر زمار، ويوحنا المشراحي، وحنانيشوع من حدياب (اربيل)، ورافقهم هرمزد إلى الدير الذي كان يضم آنذاك مئتي راهب، وكان بإدارة الربان سبريشوع الذي أصله من نينوى. في دير الربان برعيتا أتم الربان هرمزد الابتداء واقتبل الاسكيم الرهباني، ولسيرته الطاهرة غدا مثالاً حياً يحتذي به اخوته الرهبان.

غادر الربان هرمزد دير برعيتا وعاش في خلوة صارمة ملبياً الدعوة التي أرادها الله له، باشارة من رؤسائه في الدير. وأقام في مكان منفرد في كوخ جبلي منقطعاً إلى الصوم والصلاة، والتأمل، والتقشف، والتقى يوماً راهباً اسمه ابراهيم وأصله من دير عابي، وقد تحدث هذا الراهب إلى الربان هرمزد عن ديره، فبعث في نفسه الرغبة لزيارة هذا الدير والاطلاع على نمط حياة رهبانه، فقصداه معاً ومكثا فيه ثلاثة اشهر. ثم انطلقا منه إلى دير الرأس، أو دير مار ابراهيم الكبير في جبل مقلوب حيث الربان يوزادق ورهبانه، وهم يوحنا الفارسي، والأنبا دونا، وايشوع عسبران وشمعون، وعاش هناك جميعهم في حياة نسك وزهد مثالية.

واثر جفاف النبع الذي منه كان يشرب الاخوة الرهبان تفرقوا إلى أماكن شتى، فقصد يوزادق مع دونا وشمعون جبال قردو، وقصد هرمزد وابراهيم جبال بيت عذري، ومكث ايشو عسبران ويوحنا في الموضع نفسه.

سار الربان هرمزد والربان ابراهيم إلى موضع في جبل بيت عذري شرقي قرية القوش، وأقاما بجوار كهف فيه ينبوع ماء يتحلب من الصخور، وقد عرف هذا النبع فيما بعد بعين القديس. واتخذ كل منهما مغارة بجوار العين، غير ان ابراهيم لم يمكث هناك سوى ثلاثة أيام، انتقل بعدها إلى شمال شرقي باطانيا حيث ابتنى له ديراً وهو الدير المعروف اليوم بدير مار اوراها.

     اما الربان هرمزد فقد مكث في الجبل، فتقاطر إليه اهالي القرى القريبة من القوش فرحين مستبشرين، ووعدوه انهم على استعداد أن يقدموا له يد المعونة متى شاء، وممن ساعدوا الربان هرمزد أيضاً أمير الموصل عقبة أو عتبة بن فرقد السلمي الذي تولى الموصل سنة (637 م)، والذي شفي ابنه على يد الربان هرمزد فساعده على بناء الدير حوالي عام (640).  

ويروي أن خمسين شخصاً من مدرسة ايثالاها في نوهدرا (دهوك حالياً) قصدوا الربان هرمزد وانضموا إليه ليعيشوا حياة نسك جماعية، وسرعان ما ابتنوا لهم كنيسة، فكانت نشأة دير الربان هرمزد، وقد ساعد في تشييد الدير أهالي القرى المجاورة، نذكر منهم شخصاً ثرياً من قرية باقوفا اسمه خداوي شوبحي. توسع الدير، وبلغ عدد الرهبان فيه في فترة قصيرة المائة وعشرة رهبان، ويمكننا اعتبار فترة تأسيس الدير السنوات ما بين (628 – 647 م). أي في عهد الجاثليق ايشوعياب الثاني الجدالي.

وبعد حياة طاهرة وعفيفة مقدسة توفي الربان هرمزد وعمره سبع وثمانين سنة. قضى منها عشرين سنة في البيت والمدرسة، وتسعا وثلاثين سنة في دير الربان برعيتا، وستا في دير الرأس، واثنتين وعشرين سنة في ديره، ودفن في كنيسة الدير باجلال عظيم، ولا يزال قبره قائماً حتى اليوم في قبر الشهداء أو القديسين، ويحتفل بذكراه في الاثنين الثالث بعد عيد القيامة، كما يخصص الأول من أيلول لذكراه أيضاً.

في القرن العاشر في سيرة الربان بوسنايا التي كتبها يوحنا بر كلدون، ويوسف هذا من قرية بوزان شرق دير السيدة. دخل دير الربان هرمزد هو وثلاثة من اخوته، وكان الراهب يوسف بوسنايا قد تنبأ بكوارث ستحل بديارت المنطقة. الأمر الذي حصل وحلت هذه الكوارث في السنوات ( 958، 964، 965 م)، ولا سيما كارثة (978 م) بسبب الحوادث الدامية بين الحمدانيين والبويهيين الفرس، وهجوم الأكراد الحكاريين على القرى والديارت العامرة، فتشتت الرهبان وخلت الأديرة وتهدمت الكنائس، وتفيدنا سيرة الربان يوسف بوسنايا بالكثير من أخبار دير الربان هرمزد عن الحياة الجماعية فيه روحياً وجسدياً، وعن نظم وقوانيين الانخراط في هذه الرهبانية.

في عام 1200 م يرد ذكر الراهب الخطاط ايشوع الالقوشي الذي خط العهد القديم، وفي 1208 م يرد ذكر الخطاط الراهب دانيال الذي كتب إنجيلاً طقسياً، وفي عام 1256 م نجد عدة رهبان من دير الربان هرمزد يحضرون مراسيم دفن الجاثليق سبريشوع.

وتنقطع أخبار الدير في القرون الرابع عشر والخامس عشر، والنصف الأول من القرن السادس عشر، والسبب هو ما قاساه الدير من محن ومصائب في هذه الفترات، فهي سنوات غزو، وسلب، ودمار، وقتل، نعرف منها هجمة تيمورلنك على بغداد والموصل سنة 1393 ثم 1401م، فتبدد الرهبان بعد أن اصاب النهب والخراب ديرهم، فيعود الرهبان إلى ديرهم بعد انتاب الأمور إلا أن هجمة برياك بيك المغولي سنة 1508م لا تلبث أن تشتت شملهم وتلحق بديرهم الدمار والخراب.

منذ أواخر القرن الخامس عشر وحتى مطلع القرن التاسع عشر. لدينا نصب جنائزية لتسعة بطاركة من البيت الأبوي دفنوا في دير الربان هرمزد، أولهم مار شمعون الرابع المتوفي سنة 1497م وأخرهم هو مار ايليا الثالث عشر ايشوعياب المتوفي سنة 1804م .

في عام 1552م يقع الاختيار على الراهب يوحنان سولاقا بلو رئيس الدير مرشحاً للبطريركية، ويتم تثبيته في روما في 20 شباط 1553م، وكان في زمانه سبعون راهباً. سنة 1587م يزور وفد البابا غريغوريوس الثالث عشر الدير، فيجد بطريركاً اسمه ايليا مقيماً فيه، ويفيدنا تقرير مرفوع إلى روما انه في عام 1606م كان بطريرك كنيسة المشرق مقيم في الدير، وان فيه قرابة مائتي راهب. في سنة 1653م يترك البطريرك مار شمعون الدير إلى تلكيف اثر غزو للمنطقة.

سنة 1666م يتهدم سور الدير بالزلزال، وفي سنة 1714م يترك البطريرك ايليا مقره في الدير إلى تلكيف من جراء الاضطرابات التي وقعت في منطقة العمادية، ولم يظل في الدير سوى خمسة رهبان في سنة 1718م وارتفع هذا العدد إلى ستين راهباً في سنة 1722م في عهد الربان جبرائيل رئيس الدير.

في سنة 1727م يهجر الرهبان ديرهم إلى كنيسة مار ميخا في القوش اثر هجمة يونس اغا، وتأتي الضربة القاضية والقاسية سنة 1743م حين اكتسحت جيوش نادر شاه طهماسب الايراني القرى والديارات، فأصاب الدمار والخراب الدير، ويبدو ان الدير ظل خالياً قرابة 65 عاماً أي حتى التأسيس على يد الأنبا جبرائيل دنبو سنة 1808م.