بفرحٍ غامر أقيم القداس الإلهي بمناسبة تذكار الشهيد مار كوركيس في ديره العريق الواقع في مدينة الموصل، وذلك يوم الإثنين الموافق 24 نيسان 2023، الّذي ترأسه النّائب العام للرَّهْبنة الأنطونيّة الهُرْمِزْديّة الكلدانيّة الأب د. روني اسحق باكوس الراهب، بمشاركة الآباء والإخوة الرهبان الكلدان وعدد من الكهنة الأفاضل، والشمامسة وجمع غفير من المؤمنين الذين قدموا من مدينة عنكاوا ومن إيبارشية عقرة ومن مختلف البلدات المجاورة. لقدْ كان الاحتفال بحقٍّ رحلة حجٍّ إيمانيّة للاحتفاء بتذكار مار كوركيس الشّهيد، مسيرة خروج “عبور” خالية من أيِّ إشارة لأوهام العودة كما أُريدَ له أنْ يكون.     

وفي هذا السّياق تطرّق النّائب العام للرَّهْبنة في موعظته إلى ما نحمله من الذّكريات المرتبطة بالدّير، والأهميّة الرّمزيّة الّتي تحملها هذه الذّكريات، وإلى عدم توظيفها فقط كشحنات عاطفيّة والحنين إلى الماضي أو أوهام العودة. إنّ ما يجب التّركيز عليه هو ما تحمله هذه الخبرات من رسائل تشدّد من إيماننا بأنّ حضور الله في حياتنا، لا يُختزل بالمباني والجدران فقط فأجسادنا هي هياكل للرّوح القدس، وما قامت به قوى الظّلام “داعش” من التّخريب الّذي طال مبنى الدّير برمّته لا يُعدُّ أسوأ من ابتعادنا عن جوهر إيماننا القائم على محبّة الله لنا الّتي تجسّدت ببذل ذاته على الصّليب من أجل خلاصنا، ودعوته لنا بأنْ ننكر ذواتنا ونحمل صليبنا “محبّتنا” ونشهد بحياتنا لمحبّته الّلامتناهية وذلك بإفراغ ذواتنا من الأنانيّة، العنف، روح الانتقام والكراهيّة. إنّ شهادة الحياة الّتي علينا أنْ نقدِّمها، لا تقلُّ أهميّةً عن شهادة الدّم الّتي قدّمها آباؤنا طيلة تاريخ الكنيسة لعدم نكرانهم لإيمانهم على غرار المطران الشّهيد بولص فرج رحو والأب الشّهيد رغيد كني والشمامسة الذين بذلوا حياتهم على مثال معلِّمنا يسوع المسيح.    

يُذكر أنّ دير مار كوركيس كان في الأصل كنيسة صغيرة تابعة لقرية باعويرا =(مكان العبور: بيث عويري) تحت اسم مار كوركيس، ويقع هذا الدير على تلّ أثري يشرف على مدينة الموصل. وأقدم ذكر له يعود للعام 1619م (أي قبل 402 سنة). وقد أصبح ديرًا قانونيًّا للرَّهْبنة الأنطونيّة الهُرْمِزْديّة الكلدانيّة في 17 تشرين الثاني من عام 1863م تلبيةً لطلب من البطريرك يوسف اودو الذي عين فيه 7 من الآباء والإخوة الرهبان. في سنة 1908م بني حصن الدير أو قلالي الرهبان مع سرداب وبعض الملحقات، وذلك في عهد الأنبا شموئيل جميل الرئيس العام للرهبنة. وفي سنة 1924م قام الأنبا موشي ارميا الرئيس العام ببناء كنيسة صغيرة شرقي بيت الرهبان على اسم القديس مار انطونيوس، بسبب ارتفاع موقع الكنيسة الكبيرة، وتعذر بعض الرهبان المسنين الصعود اليها، وفي سنة 1936 بني فناء الزوار، وفي سنة 1962م أفتتح في الدير مشروع: (المدرسة الرسوليّة) ودام المشروع لسنوات عديدة وتخرج منه طلاب وأصبحوا رهباناً وكهنةً. بالإضافة لذلك، كان الدير أيضاً مركزًا روحيّاً وثقافيّاً حيث أقيمت فيه دورات لاهوتيّة وكتابيّة ودروساً للتعليم المسيحي.

تعرض الدير في سنة 2014 إلى التدمير والخراب من قبل إرهابيو داعش عند إحتلالهم لمدينة الموصل. وأعيد تأهيل كنائس الدير (العليا والسفلى) من قبل الحكومة الأمريكيّة وبإشراف كل من جامعتي بنسلفانيا والموصل وديوان الوقف المسيحي.

في ختام القداس الإلهي تبارك المؤمنون بذخيرة الشّهيد مار كوركيس، وبعدها تشارك الجميع بمقاسمة غداء المحبّة (الشيرا) الّذي اعدّه الرهبان للجميع بمشاركة المؤمنين.

لتكن شفاعة القديس مار كوركيس حافظة لجميعنا