إحتفل الآباء والإخوة الرهبان الكلدان بتذكار استشهاد مؤسس رهبنتهم خادم الله الأنبا جبرائيل دنبو وذلك يوم الثلاثاء 15/ 3/ 2022 في كنيسة القديس مار أنطونيوس الكبير في عنكاوا، وبمشاركة شمامسة وجوق الدير ولفيف من المؤمنين والمؤمنات، حيث ترأس الأنبا د. سامر صوريشو يوحنا الرئيس العام على الرهبنة، القداس الإلهي بهذه المناسبة.

تطرّق الرئيس العام خلال موعظته إلى قصة خادم الله الشهيد الأنبا جبرائيل دنبو، من خلال حياته التي عاشها بأمانة في سبيل تأسيس رهبنة للكنيسة الكلدانيّة، بالإضافة لدوره الفاعل في الكنيسة الكلدانيّة بشكل عام.

إختتم القداس بمباركة المؤمنين بذخيرة خادم الله الشهيد الأنبا جبرائيل دنبو، ومن بعدها قام المؤمنين بتبادل التهاني مع الآباء والإخوة الرهبان وتقاسموا حلاوة التذكار.

يُذكر أن قصة إستشهاد خادم الله الشهيد الأنبا جبرائيل دنبو كانت في يوم الأربعاء 15 آذار سنة 1832، حيث قدم محمد باشا أمير راوندوز المعروف بميركور (الأمير الأعور) بمهاجمة الموصل وأطرافها وقتل كثيرًا من الايزيديين والمسيحيين ثم أقبل إلى القوش وحاصرها بجيشه الجرار. مكث الأب جبرائيل جاثيًا على الأرض وقد أحاط به بعض الاخوة الرهبان الذين رفضوا الإبتعاد عنه، وهم: الأخ أوغسطين والأخ ايشوع كساكو والأخ يوحنا من أهل بيرسفي، وركعوا يُصلّون الورديّة، وسمع الأب جبرائيل نحيب النساء وعويل الأولاد فقام وأشار إلى الجموع بالسكوت والإشتراك مع الاخوة الرهبان بتلاوة الورديّة لكي تقف العذراء “سلطانة الشهداء” إلى جانبهم في ذلك الموقف الصعب فتسند إيمانهم لئلا يخوروا وينكروا إيمانهم المسيحي. ودعاهم للإستسلام لإرادة الله، وحثّهم على الندامة ثمّ أعطاهم الحلّة العموميّة من أجل الثبات على الأيمان بالمخلّص يسوع حتّى اللحظة الأخيرة من حياتهم.

ركع الأب جبرائيل إلى جانب اخوته الرهبان، وركعت الجماعة معهم، ثمّ رفع ذراعيه على شكل صليب وأنظاره متّجهة إلى السماء وبقي يُصلّي بحرارة وتقوى ملائكيّة. ولمّا تقدّم منه الجنود هجموا أوّلاً على الرهبان الثلاثة فنحروهم كما تُنحر الخراف أمام عيني الأب المؤسّس وكان يُصلّي بحرارة لكي يثبت هو وكل اخوته في هذه الساعة العصيبة، وكان يتمتم قائلاً: بيدك يا رب أستودع روحي، بيدك يا رب أُسلّم اخوتي الرهبان الأعزّاء، بيدك يا رب أضع ديرنا ولتكن مشيئتك.

حينئذ تقدّم منه أحد السفّاحين الذين أحاطوا به، ودعاه إلى إعتناق الإسلام ليخلص، فرفض فهجم عليه وطعنه بالخنجر في صدره، وتلك كانت علامة لرفقته بأن يُمزّقوا جسد الشهيد الطاهر بالسيوف والخناجر، وهكذا أثخنوه بالطعنات، ولم تمض غير دقائق قليلة حتّى لفظ روحه البارّة فطارت إلى السماء وشفتاه تتحرّكان بالغفران لقاتليه على مثال معلّمه الإلهي، وحدث ذلك في منتصف شهر آذار سنة 1832.

شاء الرب أن يُظهر عجائبه في إستشهاد عبده الأمين وذلك أنّ الشقي الذي طعنه بيده فقتله يبست في الحال تلك اليد الآثمة وصار يرتجف وفمه يزبد. ولمّا رأى رفاقه حالته الكئيبة سألوه: ما بك؟ قال: حينما ضربتُ هذا الرجل اللابس الأسود “ربّانا” شعرتُ وكأنّ يدًا خفيّة ضربتني في الحال، وها أنا مائت بخطيئة هذا الولي، وصار يضرب نفسه ويصرخ كالمجنون. وفي يأسه صار يأخذ من دم الأب جبرائيل المسفوح على الأرض ويدهن به اليد اليابسة، وإذا بها تستعيد طراوتها وشفي جسمه كلّه، فذهب يقرع صدره ندمًا.

بقيت أجساد الرهبان ضحايا الظلم مطروحة على الأرض حيث جرت المذبحة، شبه عارية، وكانت جثث القتلى متناثرة في كلّ مكان على الجبل أو في الوديان، وتفرّق القاتلون بعد أن سكروا بدماء القتلى المظلومين، وكان الطاغية الأعور قد ولّى، وفي اليوم الثالث شرع الناس بالبحث عن موتاهم، وبدأوا بدفن أعزّائهم. وخرج الكهنة والرهبان وعلى رأسهم مار يوسف أودو ليروا ماذا صار من أمر اخوتهم الشهداء وفي مقدّمتهم الأب جبرائيل.

كانت الوحوش والكواسر قد مزّقت وشوّهت أجساد معظم الضحايا ولم يبق فيهم علامة فارقة، وبعد البحث الطويل وقعوا على جثمان الأب جبرائيل في ترعة الجبل. هناك وجدوا جثمان الشهيد المثخن بالجراح لكنّه كان سالمًا من كلّ نقص أو تشوّه حتّى ظنّ الحاضرون أنّ الأب غارق في سبات النوم لو لم تكن الدماء قد خضّبته وفرشت له على الأرض ملاءة قرمزيّة، فتوقّفوا بهيبة وخشوع أمام الأب الشهيد ضحيّة الفضيلة والواجب، لكنّهم لم يجدوا أثرًا للرهبان الشهداء حتّى ولا شيء من ثيابهم. لقد حُفِظَ جثمان الأب جبرائيل بإعجوبة جليّة دوّنها بعض المعاصرين للأحداث فالذي حدث أنّ الهاربين المسيحيين من القتل في الجبل بحثوا عن مغارات بقوا مختبئين فيها لا يجسرون أن يخرجوا منها خوفًا على حياتهم، ولمّا إبتعد الأمير القاتل خرج هؤلاء من المغائر ليلاً فشاهدوا في ذلك الظلام سحابة منيرة تنزل من السماء وتُحيط بجثّة البار في كلّ ليلة؛ فصان الربّ القدير بهذه الطريقة العجائبيّة جثمانه الطاهر.

دُفِنَ الأب الجليل للوهلة الأولى في كنيسة مار ميخا بالجانب الشمالي من الإيوان الكبير الذي كان سابقًا المصلّى الصيفي. سنة 1832م. وبعدها نقل رفاته في 21 تمّوز 1849 في كنيسة دير الربّان هرمزد.

لتكن صلاة خادم الله الشهيد الأنبا جبرائيل دنبو حافظة لجميعنا