التحديات والهيكليات والممارسات الخاصة بالاتصال الرقمي

المقدمة

لماذا نتحدث عن الكنيسة والتواصل؟ قد تبدو الإجابة شبه واضحة على الرغم من مناشدات البابا فرنسيس للكثير من الذين لا يزالون يطالبون بـ “الكنيسة المكانية”، المتكونّة من المذبح والجدران. من ناحية أخرى، نحن نعيش في مجتمع متنوع الاتصالات، لا تستطيع الكنيسة المرسلة بطبيعتها أن تبقى مشاهدة فقط.

يعتبر هذا الموضوع حافزاً للتفكير والتخطيط لمكتب الأيبارشية للتواصل الاجتماعي، ليكون مكاناً للتنسيق والتواصل والحوار. إن نشاط المكتب لا يهدف ببساطة إلى تحسين نقل المبادرات والنشاطات ومواعيد الأيبارشية فقط، لكن تفضل المشاركة المثمرة للمواد والاقتراحات والممارسات والنشاطات الجيدة بين  الجماعات الكنسية. علينا ان نعي أيضاً أن التواصل الكنسي ليس مخصص فقط للمحترفين ولكنه موجهه لجميع أولئك الذين يؤمنون أن التواصل هو جوهر الحياة، وفرصة للمشاركة الأخوية، والاستماع والصمت الإنساني.

التواصل الجديد

في العقدين الماضيين اتسم السياق التواصلي بنوع من “التحول الإعلامي”، ومن خلال عملية الرقمنة، تم توحيد ما يعرف بأنه “حالة ما بعد الوسائط”1. لكن ما هو هذه الإعلام؟ إنه أكثر من مجرد أدوات، إنه “انعكاسات بشرية”، وعندما نتحدث عن وسائل الإعلام بمعنى ما فإننا نتحدث عن أنفسنا. لذلك، بدلاً من تحديد مفهوم “الإعلام”، من الضروري فهم طبيعة الرابط الاجتماعي “بين وسائل الإعلام والإنسان”، لكي نُدرك أن “وسائل الإعلام ليست هي التي تغير الإنسان، بل الإنسان هو من يتدخل فيها، من خلال “استخدامها” باعتباره انعكاسًا للفرد لأي حالة وحاجة. وبالتالي، فإن وسائل الإعلام هي “إسقاطات بشرية”، أي مشاريع الإنسان، بمعنى أن الإنسان هو من يُسقط نفسه فيها أي يبرز نفسه فيها.

لذلك، إذا كانت “الإنسانية هي التي تُظهر نفسها في وسائل الإعلام” فيجب علينا أن نفترض “بأننا نحن وسائل الإعلام”2 وإذا كان الإنسان تواصلياً، فقد أصبحت الكنيسة وعملها الراعوي بأكمله أيضاً تواصلي.

لهذا أصبح التواصل الكنسي كـ “تأمل لاهوتي راعوي” متاح لجميع أولئك الذين يؤدون خدمة في الأيبارشية في مجال التواصل.

اليوم هناك إقتناع بأن هذا التحول التواصلي بالنسبة للكنيسة يعتمد على الحدس التفسيري لـ “الإنسانية الإعلامية” ومن خلال:

  1. الربط الصحيح “بين وسائل الإعلام والإنسان”، فقد أصبح من الممكن تفعيل خدمة راعوية حقيقية في السيناريو الرقمي.
  2. ليس من الممكن اليوم إدارة التواصل بدون مهارات إعلامية وتعليمية وبدون استراتيجيات دقيقة؛
  3. إن السياق الحالي يُلزمنا التخطيط لكل عمل راعوي وخاصة في مجال التواصل؛
  4. إن الفاعل الرئيسي لهذا التحول الإعلامي هو مكتب الأيبارشية للتواصل.

وفقاً لهذا يجب أن يكون في كل إيبارشية مكتب للتواصل الإجتماعي مؤلف من هيئة إدارية فعالة ورسمية، لتجنب الخطر في أن يصبح العمل التواصلي غير كنسي وغير فعال.

الكنيسة بحاجة إلى ثقافة رقمية

تعرف “الكنيسة التواصليّة” أن أدوات التواصل مثل موقع الويب أو البريد الإلكتروني هي ولادة “الشبكة الرقميّة” في الماضي. اليوم الإنترنت له منطق مختلف تمامًا عن المنطق السابق، حيث يمتلك الإنترنيت اليوم الويب 32.0 الذي لم يعد ثابتًا، ولكنه يعتبر نهجاً ديناميكياً تفاعلياً. هذا هو عصر الشبكات الاجتماعية، الذي أصبح الإنترنت فيه ومن خلاله مكانًا للمحتوى والمشاركة والتفاعل الذي ينشئه المستخدمون.

تتيح شبكات التواصل الاجتماعي القيام بأعمال إعلامية، أي تفعيل علاقات حقيقية مع الناس وخلق فرص ثمينة للشهادة على الأخبار السارة، والاستيطان في سيناريوهات كبيرة للتعبير عن جمال الإيمان. من أجل التواصل الفعال، ولهذا يجب على الجماعات الكنسية أن تستخدم ثقافتها الرقمية الخاصة.

حداثة الإعلام

قبل ظهور الـ Facebook، كانت وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر أدوات لإدارة العلاقات التي تم تطويرها في عالم افتراضي؛ ومع الـ Facebook، أصبحت الشبكات الاجتماعية فرصًا يستطيع المستخدمون من خلالها معالجة علاقاتهم الحقيقية وإعادة تشكيلها.

الكنيسة مدعوة أيضًا للعمل على الإنترنت على وجه التحديد، لأن الويب الذي تم تشكيله اليوم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي ليس عالمًا افتراضيًا أو موازيًا للعالم الحقيقي، ولكنه “جزء من الواقع اليومي لكثير من الناس كنتيجة التفاعل البشري”.

إن التحدي الحقيقي هو أن تبدأ الكنيسة في أن تكون أقل من “مجتمع افتراضي” وأكثر من “شبكة اجتماعية”، وأقل تخصصًا وأكثر إبداعًا، وأداة أقل للبث وأكثر من مكانًا للالتقاء.

الانفتاح على هذا “المنعطف الإعلامي”، لمنطق الاتصال، فإن “شبكة الويب والكنيسة واقعان مقدر لهما الالتقاء” ويمكن بل يجب للديناميكيات الراعوية أن تتشابك مع سيناريوهات الشبكات الاجتماعية لأن الكنيسة مدعوة لتظهر نفسها “حيث يطور الإنسان قدرته على المعرفة والعلاقة”.

لهذه الأسباب، سيتعين على المكتب الأيبارشي بذل الجهد لتعلم لغات وأشكال الاتصال الرقمي لتتوافق مع ديناميكيات وسائل التواصل الاجتماعي. وبالتالي تجنب المجازفة في جعل التبشير وصورة الكنيسة غير مهمين في نظر المجتمع، إلى جانب الوجود والعمل من الضروري أيضًا أن يكون لدينا هوية رقمية واضحة.

الخاتمة

 بالحقيقية نحن أمام عمل يتطلب الكفاءة والاستراتيجية وليس الارتجال. لا يكفي  فتح صفحة على الـ Facebook (أو أي ملف تعريف إجتماعي) وملئه بالروابط، يجب علينا أولاً أن نسأل أنفسنا (ماذا وكيف ولماذا) علينا التواصل وما هي الأهداف التي نريد أن نصل إليها. علينا أن نعرف بأن هذا العمل هو جهد لاهوتي رعوي يجب أن يبدأ به كل مكتب أيبارشي للتواصل.

من الضروري أيضاً التغلب على الاعتقاد بأن وسائل التواصل الاجتماعي ليست سوى “أداة” لنقل المعلومات أو نوعًا من الوسائل التي يمكن من خلالها التبشير بالإنجيل. لذلك، علينا تغيير المنظور لأن العمل الرقمي لا يعني القيام بنوع من “التعزيز التواصلي”، بل يعني تحقيق فعل إعلامي حقيقي.

في الختام، وبدلاً من القيام بـ “راعوية رقمية”، فإن الكنيسة مدعوة للقيام بـ “راعوية تواصليّة” لأن الكنيسة مثلها مثل البشرية جمعاء، تعتبر نفسها أيضًا وسيلة تواصليّة.

الأب يوسف يونو عجم الراهب

الهوامش:

  1. يقول “Ruggero Eugeni” لم يعد من الممكن تحديد بوضوح ما هو تواصلي وما هو غير ذلك؛ ولا يمكن تحديده عندما ندخل في موقف إعلامي وعندما نغادره، لأن وسائل الإعلام إنتشرت في كل مكان، بالحقيقة “نحن أنفسنا أصبحنا إعلام”. أنظر، Ruggero Eugeni, La condizione postmediale. Media, linguaggi e narrazioni, 2015.
  2. أنظر، Filippo Ceretti e Massimiliano Padula, Umanità mediale. Teoria sociale e prospettive educative, 2016.
  3. ويب 2.0 هو مصطلح يشير إلى مجموعة من التقنيات الجديدة والتطبيقات الشبكية التي أدت إلى تغيير سلوك الشبكة العالمية “إنترنت”. كلمة “web 2.0” سُمعت لأول مره في دورة نقاش بين شركة أوريلي ميديا الإعلامية المعروفة، ومجموعة ميديا لايف (MediaLive) الدولية لتكنولوجيا المعلومات في مؤتمر تطوير ويب الذي عُقد في سان فرانسيسكو في 2003 والتي ذكرها نائب رئيس شركة أورلي، دايل دويرتي (أوريلي ميديا) في محاضرة للتعبير عن مفهوم جيل جديد للشبكة العالمية. قبل ظهور مصطلح ويب 2.0، كان هناك ما يُسمى ويب 1.0 وويب 1.5. ويب 1.0 يتضمن صفحات لغة ترميز النص الفائق ثابتة (static) ونادرًا ما حُدِّثت. بعد ذلك جاءت ويب 1.5، وهي عبارة عن “ويب الديناميكية” والتي تكون فيها صفحات شبكة الإنترنت تُنشأ فورًا من محتويات قواعد البيانات باستخدام نظم إدارة المحتويات. ويب 2.0 هي أكثر من مجرد صفحات ويب ديناميكية، فهي تمثل شبكة اجتماعية وذات اعتمادية أكبر على المستخدمين، والمستخدمين هنا هم مستخدمي خدمات ويب الجديدة المتطورة والتي أنشأها خبراء الشبكة. وتعريف الموقع في ويب 2.0 هو موقعٌ بُني باستخدام عدد من تكنولوجيات ويب 2.0 الحديثة.