ينقسم تاريخه إلى ثلاث فترات وهي كالآتي الفترة القديمة: منذ تأسيس الدير في القرن السابع على يد الربان هرمزد، الى القرن الرابع عشر مع الدمار الحاصل من قبل الغزو المغولي على يد تيمورلنك .
الفترة الثانية: فترة بطاركة بيت ابونا من ( عام 1497م إلى عام 1804م ) حيث استخدم لإدارة البطاركة.
فترة التجديد: مع الآنبا جبرائيل دنبو ( 1775م – 1832م ) وإلى ايامنا وحاليًا الدير هو خالي من الرهبان.
في السنوات الأخيرة رمم الدير وجدد كنائسه الثلاث وممرات والدهاليز المؤدية إلى صومعة الربان هرمزد، وبنيت بوابة مع نقطة الحراسة على الشارع السفلي لوادي الدير، ليكون لائقًا للرياضات الروحية واستقبال المؤمنين والحجاج القادمين من مختلف أقطار العالم.
عندما قصد الربان هرمزد والربان ابراهيم وادي جبل القوش. حَطا بالقرب من ينبوع ماء منحدر وسط صخور، عرف فيما بعد بعين القديس (عينا دقديشا)، واتخّذ كل منهما مغارة بجوار العين. وما لبث أن انتقل ابراهيم إلى شمال شرقي باطنايا حيث ابتنى له ديراً، بينما لبث هرمزد في الموضع. حتى قصده الناس للتبرك، واحتذى حذوه شبان كثيرون، كما انضّم اليه رهبان عديدون، فنشأ الدير هكذا من صومعة بسيطة إلى صوامع عديدة، حتى غدا ديراً واسعاً عظيماً.
في السنوات 958 و 964 و 965 ولا سيما سنة 978، جرت حوادث دامية بين الحمدانيين والبويهيين في الموصل والجزية وبغداد، سقط من جرائها أكثر من خمسة آلاف رجل، وهجم أكراد حكاري على المماطق الآهلة بالسكان والديارات العامرة فالحقوا بها أضرار جسيمة، وتشتت الرهبان بحيث خلت منهم الديارات، وتهدمت كنائس ومزارات كثيرة، وأبيدت منازل وقرى بكاملها، فهاج الناس وتبدووا في كل مكان، حتى استتبت الأوضاع أخيراً، وعاد الأهالي إلى مواطنهم، والرهبان إلى ديارتهم.
يغيب ذكر الدير في القرون الرابع عشر والخامس عشر والنصف الأول من السادس عشر. لأن الدير قاسى في هذه الفترة من المحن والمصائب الشيء الكثير، فهي سنوات غزو وسلب ودمار. فإن تيمورلنك هجم على بغداد والموصل سنة 1393 ثم سنة 1401، فتبدد الرهبان بعد أن أصاب النهب ديرهم، ثم ما لبثوا أن تشتتوا مرة أخرى سنة 1508 إبان هجوم رجال بارياق المغولي على القوش والمنطقة كلها.
منذ أواخر القرن الخامس عشر وحتى مطلع القرن التاسع عشر، دفن في دير الربان هرمزد، تسعة بطاركة من عائلة بيت الأب (بيث آوون)، أولهم مار شمعون المتوفي عام 1497 واخرهم البطريرك ايليا المتوفي عام 1804.
في مطلع العام 1552 وقع اختيار الأساقفة والحزب المعارض للبطريرك شمعون برماما، على الراهب يوحنان سولاقا بلّو رئيس دير الربان هرمزد، كبطريرك جديد لهم، ينهون بواسطته قضية الخلافة التي كان يتوارثها جثالقة المشرق عماً عن ابن أخ من عائلة أل الأب، وكذلك الفوضى التي كانت سائدة يوماذاك في الكنيسة. وقد جرى تثبيت يوحنان سولاقا كأول بطريرك للكاثوليك من اتباع كنيسة المشرق، الذين سمو كلداناً، في مدينة روما في 20 شباط 1553. كان الدير مأهولاً يوماذاك، وفيه سبعون راهباً، رئيسهم يوحنان سولاقا الذي اختير للبطريركيّة.
لنا خبر يعود إلى سنة 1653 بشأن الغزو الذي آلّم بالمنطقة، مما اضطّر البطريرك شمعون إلى اللجوء إلى تلكيف. وقد تهدّم سور الدير عام 1666، وسنة 1714 يترك البطريرك ايليا مقره في الدير، ويسكن تلكيف من جراء الأضطرابات التي وقصت في منطقة العامادية واطرافها. أما الرهبان فلم يتركوا كلهم الدير، لأن الكاهن الماروني اندراوس اسكندر عندما زار الدير عام 1718 وجد فيه خمسة رهبان لا غير. وارتفع هذا العدد سنة 1722، فوصل الستين في عهد الربان جبرائيل رئيس الدير.
يضطر الرهبان عام 1727 إلى ترك ديرهم إثر حملة يونس آغا، فيلجأون إلى كنيسة مار ميخا في القوش.
أما الضربة القاضية فكانت عام 1743 حين إكتسحت جيوش نادرشاه (طهماسب) كل ما لقيت في طريقها من قرى وديارات، فآذى دير الربان هرمزد كثيراً. وقد اسهب المؤرخون في وصف الدمار الذي نجم عن حملة طهماسب هذه.
آثار دير الربان هرمزد
لدير الربان هرمزد أهمية أثرية كبيرة، علاوة على أهميته التاريخيّة الفريدة، لا سيما بالنسبة لكنيسة المشرق. موقعه الطبيعي رائع، ومكانته المعنوية مرموقة جداً. أما اهم آثاره المتبقيّة فهي:
هيكل الإنجيليين الأربعة: شيد هذا الهيكل عام 1820 في عهد الأنبا الشهيد جبرائيل دنبو مؤسس الرهبنة على إسم الإنجيليين الأربعة متى ومرقس ولوقا ويوحنا. وقد كان يشتمل سابقاً على طابقين، العلوي على إسم رووساء الملائكة، إلا انه أزيل أبان تجديد الهيكل الكبير، والطابق السفلي على اسم الإنجيليين الأربعة، وهو الهيكل الحالي.
هيكل الثالوث الأقدس: هذا الهيكل هو اعظم كنائس الدير اتساعاً وامامه رواق فسيح. قبة قدس الأقداس رائعة، فهي بيضوية الشكل ذات خطوط شعائية تتوسطها فتحة بمثابة المركز. وثمة كتابة أسطر إنجيلية (سريانيّة قديمة) في المنعطف الأسفل وقد حفر الباب ثليب وورود ذخرفيّة تستمر على المرمر من الجهتين، تليها أوراق وكتابة في الوسط. ومن كلا الجانبين باب صغير تحيط به زخارف نباتية واشكال قناديل. اما باب المذبح فمن المرمر المزخرف والملون باشكال تسبه ما وصفناه آنفاً. فهو تحفة فنيّة ترجع غى القرن الخامس عشر قبل ذلك بقليل. فإن ثمة كتابة غى يمين الباب تشير غى التجديد الذي تم سنة 1796 يونانية/ 1485م، وخارج الكنيسة شرقاً كتابة منقورة تقول بأن الحائط أقيم سنة 1870 يونانية/ 1559م. بينما فوق الباب كتابة تؤرخ تجديداً حديثاً جرى سنة 1817م. وثمة تاريخ آخر يُفهم منه بأن الهيكل كان قد تهدّم إثر زلزال حدث سنة 1666م، وأعيد بناؤه كما كان بعد سنة من التاريخ المذكور.
ضريح الربان هرمزد: يدخل الزائر من الهيكل الكبير، هيكل الثالوث الأقدس، إلى دهليز فيه ضريح الربان هرمزد شفيع الرهبنة. والضريح على شكل مذبح حجري منقوش وملون، يعلوه قوس حجري عليه كتابة سريانيّة شرقيّة (كلدانيّة) تعريبها: “هنا يرقد أبونا الجليل، نور الشرق الساطع، الربان هرمزد المظفر، من القرن السابع للمسيح”. يستند القوش على عمودين مرمريين مزخرفين. وعلى الضريح نفسه نقش من جهة شخص قد عفاه الزمن، بينما حفر من الجهة الأخرى برعم مخروطي الشكل. وتستمر النقوش المرمرية حتى الأرض. كما ان ثمة قطعاً مرمرية تحمل نقوشاً قديمة مرصوفة في البلاط.
مقبرة البطاركة: تقع هذه المقبرة في المجاز الذي فيه ضريح الربان هرمزد، إلى يسار الداخل اليه، وأمام باب هيكل الربان هرمزد. وتتألف من تسعة الواح رخامية تؤرخ حياة تسعة بطاركة وصبي نذر للبطريركية لكنه توفي صغيراً. وجميع البطاركة المدفونين في هذه المقبرة من بيت الأب (ابونا)، وقد دبروا كنيسة المشرق من سنة 1497 وحتى 1804. ويحمل كل لوح صورة إيمانهم. وثمة قبور أخرى كانت عائلة ابونا تدفن فيها موتاها، يشاهدها الزائر إذا ما سلك الطريق العليا (الفوقانية) المؤدية إلى الدير، وهي منقورة في الخر. كم ان هناك مقبرة للغرباء في أسفل الدير، وكثيراً ما كان الرهبان ينقرون قبورهم بإيديهم بجوار صوامعهم.
هيكل مار انطونيوس: يقع شرقي الدهليز حيث ضريح الربان هرمزد، ولعله أول مصلى أقيم في الدير. ينتصب في وسطه بيت قربان من المرمر الجميل، وإلى جانبه صندوقان مرمريان مفتوحان من الأمام ومزخرفان، كانا يستعملان سابقاً لحفظ الإنجيل والصليب والدهون المكرسة. أما الزخارف فصلبان ونقوش نباتية جميلة. والهيكل مظلم، ويقع فوق قبو عميق يتحدر حتى قعر الوادي.
صومعة الربان هرمزد: عبر ممر متعرّ ومظلم (بخشوكي) يدخل الزائر منحنياً فيسير من يمين مذبح هيكل مار انطونيوس ثم يتجه غرباً حتى ينتهي به المطاف إلى صومعة الربان هرمزد، وهي عبارة عن مغارة نصفها منقور ونصفها مبني بالحجر والجص. إلى الجنوب الشرقي منها غرفة (قلاية) صغيرة كان يختلي فيها القديس الربان هرمزد، وهي متصلة بهيكل الربان هرمزد غرباً، وبضريحه جنوباً. وقد نقر في وسط جدارها الغربي صليب مكون من أربعة صلبان صغيرة وسط حنية مرمرية. وامام المدخل ممر ضيق ومنحدر يتصل بأسس الكنيسة الأصلية.
هيكل الربان هرمزد: يقع إلى يمين الدهليز حيث قبور البطاركة، وهو من بنايات الدير القديمة، وفيه 14 صليبا محفورة في 14 مشكاة ولكل صليب شكل خاص يختلف عن البقية، وفوق المذبح مظلة دائرية من الحجر والجص، وهي من القباب المقرنصة. ويتناول الزائر من فتحة في المذبح تراباً يتبرك به يدعى (حنانا). ويقع سطح الهيكل تحت الطريق المؤدية من الصهريج الكبير إلى طريق كرم الدير. وفي الهيكل باب آخر ينفتح على غرفة كبيرة مفتوحة على الرواق الذي امام هيكل الثالوث الأقدس، الأرجح أنه كانت غرفة الخدمة (السكرستيا).
بيت الشهداء وبيت العماد: غربّي الغرفة المذكورة آنفاً غرفتان متداخلتان، تطل الأولى على فناء الكنيسة، ومنها يعبر الزائر إلى الغرفة الثانية. الأولى هي بيت الشهداء أو بيت القديسين، والثانية بيت العماد. ونستدل من التاريخ المحفور على قبر البطريرك اليا المتوفي سنة 1700 انه هو الذي بناهما سنة 1694. وقد أصاب الباب المرمري تشويه كبير، ولا تزال بادية للعيان زخارف على شكل نجمات دائرية وأشرطة محفورة.
الايوان الكبير والغرف المجاورة: يقع في أعلى الدير، ويشرف على الوادي والسهل، وهو أشبه برأس النسر، إذا ما شبّهنا الدير بنسر يبسط جناحيه، جسمه الكنيسة والهياكل الملاقة لها، وجناحاه القلالي المنتشرة إلى اليمين واليسار. وقد نقر الإيوان في الصخر منذ عهد قديم جداً، ثم وسع عام 1931 ورسم في صدره نسر باسط جناحيه، تحته كتابه تؤرخ هذا التجديد، رُسم إلى اليمين منها أسد رابض، وإلى اليسار ثعبان يتطاير الشرر من فمه. وقد جدد الأب يوسف توماس سنة 1975 الكتابة القديمة التي تستمر على جدران الإيوان الثلاثة عرضاً، وهي بالسريانيّة وبالخط الأسطرنجيلي، ومفادها أن مار ميخا النوهدري من القرن الرابع تنبأ على الربان هرمزد، وشبهه بنسر عظيم سيسمو بمقامه فوق الملائكة، ويعشش في جبل القوش، ويلد أفراخاً روحيين، وكل من يدعو بأسمه يزول عنه كل وجع ومرض. أما غرف الرئاسة التي ندخل اليها من يمين الإيوان فقد شيدت عام 1867، وأضيفت اليها كتابة ممائلة للتي قي الإيوان مفادها ان الأباء الذين عمروا وسكنوا هذا المكان وسعوا في اكتساب الفضائل، يضرعون لجميع الرهبان الذين في شتى الأديرة لكي يبلغوا إلى الكمال. وثمة غرفة من الطرف الأخر من الإيوان لسكنى الرهبان. وتقع غرفة خادم الله الأنبا الشهيد جبرائيل دنبو مؤسس الرهبنة في صدر الإيوان التحتاني، وكتب على بابها تاريخ تجديدها سنة 1883. وبجانبها غرفة اخرى تحمل تاريخ سنة 1902.
غرفة الطعام والمتحف والجرس: امام الإيوان وإلى اليمين منه جرس الدير وقبة، وما اعذب صوت ضرباته يرددها الوادي ويسمو بها الجبل نحو العلى. موقع الجرس رائع، إ أنه فوق جدار عال جداً مشرف على الوادي العميق والسهل الفسيح، يبعث الرهبة في قلب من يقف في ساحته الصغيرة. بازاء الجرس نقر على حائط غرفة ملاك بيه مجمرة، كما نقرت افعى من على الجانبين. ترجع الغرفة إلى سنة 1883، وبجوارها قلاية أقدم منها، فيها حبس الرهبان أبان الإيقاع بالدير والمنطقة عام 1842. ويتردد نقش الملاك والمجمرة اكثر من مرى، الأمر الذي يدل على انه موضوع زخرفي قديم. وأعدب ما في الموضع غرفة الطعام، فهي منقورة في الصخر، حتى أن العمودين اللذين يتوسطانهاهما ايضاً قطعتا جبل. وقد اسودت الجدران والسقوف بالدخان المتصاعد من المدافئ والمطبخ، فاضفت على المكان هيبة وجمالاً.
صوامع الرهبان: ثمة صوامع هديدة تحيط بالدير من كل أطرافه، ولا سيما من الجانب الغربيّ، يبلغ عددها حوالي الأربعمائة. قد حُفرت كلها من الصخر، والقليل منها فقط استكملت بعض اقسامها بالحجر والجص أو الكلس. وقد حاول الرهبان ترتيب قلاليهم على شكل مدرج ذي ست طبقات عادة، يتم الصعود اليها بدرج يبلغ الأربعين احياناً، كما في القلاية المعروفة بقلاية الأربعين. وامام كل ثلاية بستان صغير للحبيس الذي ينقطع عن العالم والرهبان، في صومعة لا يخرج منها إلا يوم الأحد لحضور القداس. إن الصومعة أسبه بكهف صغير، كثيراً ما نجد فيه مكاناً مرتفعاً في صدر الصومعة مصنوعاً من الطين يستعمله الراهب كسرير للنوم، وفي الحائط كوة منقورة ومزخرفة لحفظ الكتاب المقدس والكتب الروحية الأخرى، فهي مكتبة صغيرة. وثمة كوة أخرى لحفظ الثياب والأمتعة القليلة، واحياناً مائدة صخرية للكتابة والقراءة.
صهاريج الدير: غن المصدر الوحيد للماء في الدير هي مياه المطار. ولتأمينها طيلة العام يعمل الرهبان على خزن مياه الأمطار في الصهاريج المنتشرة في أطراف الدير. وقد كان ثمة عدة صهاريج في الماضي، لم يبق منها حاليا سوى اثنين كبيرين، وذلك لتقلص عدد الرهبان، إلا انه كثيراً ما تشح المياه فتسبب المشاكل للرهبان، سيما وان عدد الزوار يتضاعف يوماً بعد يوم. يقع الصهريج الأسفل في الزاوية الغربية الشمالية من الكنيسة، وهو مخروطي الشكل، ارتفاعه 10م وقطر قعره الدائي 10م كذلك، مدّ فيه مؤخراً انبوب لايصال الماء الى الدير. وتصّب فيه مياه الأمطار بفضل ساقية طويلة كثيرة التعرجات تمتد حتى قمة الجبل. أما الصهريج الأعلى فالى الشمال من الأول، وهو أعلى مستوى من جميع الغرف والصوامع المستعملة حالياً. وقد مدّت فيه سبكة انابيب لايصال الماء إلى الغرف كلها وتمّ توسيعه سنة 1958. وقد تم أيصال الكهرباء إلى الدير عام 1976 من قبل الحكومة انذاك.