(الجزء الأول)

مقدمة عامّة2

ان للدعوة الرهبانيّة جذورها الموغلة في القدم والتي تمتد إلى خلق الانسان على صورة الله ومثاله، لكن بالخطيئة قد تغيّرت شاكلة تحقيق هذه الدعوة، فلذا يجب أن نبتعد عنها ونتطهر ونتجدد لنعود من جديد إلى تعلّم عيش الحياة الحقيقية. إن نعمة الروح المعاشة هي هذه الحياة والتي بدورها تغيّر العالم من عالم الموت إلى عالم الحياة، ومن جسد الموت إلى جسد المجد، كما تحوّلنا بحق من حياة العزلة والانقطاع إلى حياة المشاركة الجماعيّة، فالراهب هو “عزلة” و “مشاركة” في نفس الوقت، هو موت وشهادة للحياة، هو بحق تجسيد لمسكونية الخلاص.

إن التاريخ يحدّثنا عن رجال ونساء من المشرق، عاشوا تحدّي الايمان هذا وتركوا لنا شهادة جهودهم وانتصاراتهم على الخطيئة كما وخيباتهم ايضاً. لكننا في مطالعتنا لحيواتهم ودراستنا لها لن نتجلى، فالتجلّي ليس عملاً سهلاً ينبع من مراقبة كل ما يفعله الاخرون، لكنه يفترض منّا جواباً شخصياً للنعمة. مع ذلك ففي شراكة القديسين يمكننا أن نكون واثقين بان كل ما عاشه الآخرين، بما أنه عِيشَ داخل الكنيسة، فيمكنه ان يمس بشكل أو بآخر أي عضو منها.

لقد لعب الرهبان دوراً واسع الأهميّة في استيعاب وفهم الحياة الروحية في المشرق فمنذ البدايات الاولى كانت الحياة الرهبانيّة صورة الحياة المسيحية الاصيلة….. وهنا علينا الاشارة إلى ملاحظتين اساسيتين فمن الاهمية بمكان أن نتذكر أن في جميع الحقب كان الرهبان أنفسهم الممثلين الرئيسين للحركات القائمة بداخل الكنيسة، أضف إلى ذلك انه من بين اولئك الرهبان نجد افضل المؤلفين لتلك الكتب الروحية التي لم تخفت اهمّيتها على مرّ العصور. لذلك ليس فقط مستيحلاً وإنما غير منطقي التحدث عن الروحانية المسيحية دون الاشارة إلى تلك الشخصيات الرهبانيّة الفذّة.

أما الملاحظة الثانية التي نضيفها ههنا فهي ان في حقبتنا هذه نجد ان الجمعيات الرهبانيّة تبذل جهداً جبّاراً في البحث عن نمط حياة رهبانيّة يتماشى مع حاجات الوقت الراهن، لذا فان هذه الدراسة هي دراسة الحياة الرهبانيّة كما هي بحد ذاتها كمبدأ فهي تطرح من خلال التقليد العناصر الاساسية اللامتغيّرة التي لا تتعلق بالظروف الزمكانيّة، وإلا لكانت تعتبر دراسة التغيّرات الحاصلة في نمط الحياة الرهبانيّة عبر العصور والتي ليست غرضنا في هذه الدراسة.

ولكثرة عظمة كنوز الحياة الرهبانيّة وجدنا أنفسنا مرغمين على اقتطاف بعض من اللآلئ الأبهظ ثمناً التي قدمتها لنا الحياة الرهبانيّة في المشرق لتكريم ثوب عروس المسيح “الكنيسة”. وهكذا فبما أن الحياة المسيحية هي “فنّ روحي” فتبعاً لـ: بولگاكوف3 فالحالة الرهبانيّة هي “فنّ الفنون” فنّ النفس الذي يجب أن يكشف عن الجمال الروحي، لذا فان هذا العمل يستحق العناء.

أولاً: الصلاة4

1: 1- إلتزام الرسول: “صلّوا دون إنقطاع”.

لقد وجد رهبان المشرق أنفسهم ملزمين بالعيش والتشبّع بالتطبيقات المتنوعة لمفهوم المداومة على الصلاة دون توقّف. فهم لم يشكّوا مطلقاً بأن الصلاة المستمرة سواء كانت الزاماً أو لا أن تكون أمراً ممكناً، و بغض النظر عن هذا وذاك فان التفاسير المعطاة للتعبير: “دون انقطاع” تمايزت بالنسبة لمجموعة عن أخرى. هكذا فجماعة المصلين5 اخذت في اعتبارها هذه الجملة حرفياً ورفضت أن تلحق بالصلاة قطعاً أي شيء عالمي حتى لو كان العمل الذي كان بحسبانهم يقاطع الصلاة. بعيداً عن ذلك كان الحل بالنسبة لجماعة الاجيميتيين6 بسذاجة أنهم كانوا يؤلون إلى الحاق الصلاة المستمرة لكن بشكل جماعة، فبالتالي هكذا هدف كان يحتاج على الدوام وجود جزء من الجماعة حاضراً في الكنيسة ليتلوا الصلوات الفرضية بينما يكون البعض الآخر مشغولاً بالعمل أو يأخذ قسطاً من الراحة. أما التفسير الصحيح لهذه العبارة يوجد في كتابات اوريجانوس7: “الذي يصلي دون انقطاع هو ذلك الشخص الذي يوحّد الصلاة مع الاعمال الضرورية وكذلك الاعمال إلى الصلاة”. وهكذا عقيدة ستنتشر لاحقاً وتصبح قاعدة عامّة لنجدها تباعاً في الشعار المشهور “الصلاة والعمل” (ora et labora) الذي اتخذته الجماعة الرهبانيّة البنديتينيّة.

ومن الجلي انه يمكن قلب المصطلحات كما فعل باسيليوس8. لأننا حينها أمام محكمة الله سنحاكم وفقاً لاعمالنا سواء الصالحة أو السيئة، فالواجب الأول الذي على المسيحي القيام به هو “الاستفاضة بعمل الرب” وفي هذا السياق تكون الصلاة واحدة من أهم هذه “الأعمال” (عمل الرب). من الناحية النظرية يمكن ان نعتبر السؤال بحد ذاته الجواب، فهي في مطلق الأحوال شرط فرضه باسيليوس لأن أي عمل يحتفظ بقيمته الروحيّة يجب أن يمتلك استعداداً داخلياً حسناً، هذا الاستعداد يتغذى بالصلوات المفسّرة. فلهذا السبب عندما نقوم بأعمال صالحة يجب أن يكون لدينا اهتمام بزيادة ممارسة الصلاة.

دائماً في داخل هذه الاهتمامات بصلاة مستمرة يتطلّب من الرهبان الامانة للساعات القانونية وكذلك “نظام الصلاة” الذي يضعه الأب الروحي فبعض من الرهبان كانوا يواظبون على ترنيم المزامير بينما هم يعملون، وبقدر ما كانوا يشيدون بترنيم الصلوات بقدر ما كانوا يقومون بعمل أكثر وبسرعة أكبر. فقد كانت لهم كل هذه النصائح كوسيلة تهدف إلى تمكين الراهب من امتلاك ما يسمى بـ: “وضع الصلاة”.

في حين أن في الغرب فإن الكتّاب المعاصرون يفضّلون استخدام المصطلح “أوضاع صوفيّة” أو ” التعبّد المستفيض” والذي يدوم بعضاً من الوقت، على تعبير “وضع الصلاة”، أما في الشرق فالكلمة اليونانية الدالة على “الوضع” ستوظف بمعنى أوسع مما يمكن الاشارة اليه ببضعة كلمات، لكن كاسيانو9 يشرحه لنا كالآتي: هي حالة النفس الثابتة في الله بفضل الذكر الراسخ له. فحالة الصلاة هي ميل مألوف وطبيعي والتي بشكل أو بآخر تستحق أن نسميّها الصلاة لذاتها بعيداً عن الأفعال التي تنتج عنها بصورة متواترة. هي صلاة ضمنية جاهزة على الدوام لكي تتحول إلى صلاة علنيّة، هي “حالة القلب” و “حالة الكمال”.

1: 2- المزامير:

من الطبيعي أن الرهبان كانوا ملزمين بترنيم المزامير بأكملها كل يوم. فنقرأ في ترجام كيرلّوس الفيلوتي، الراهب البيزنطيني من القرن الحادي عشر، الآتي: “أنه كان يستعجل في تعلّم المزامير عن ظهر قلب” وأنه كان ينصح الآخرين بذلك، “حتى لو بدأت بالعمل فإن لسانك عليه بالترنيم وعلى روحك التمعّن بالصلاة”. ويروى أن بعضاً من الرهبان حفظوا المزامير عن ظهر قلب بشكل عجائبي.

إن المزامير هي كالمرآة لأرواحنا، ففي كل لحظة يجد أي واحد منّا فيها ما يتجاوب مع مشاعر قلبه سواء كان شابّاً أو يافعاً، ناسكاً كان أو رجل كنيسة، ولأولئك الذين يبحثون عن السعادة أو عن الحزن بحسب قلب الله.

“إن ترنيم المزامير هو عمل القوى اللاجسديّة”، ففكرة ان الرهبان بترنيم المزامير يتشبّهون بالارواح السماوية نجدها واضحة أو بصورة ضمنية في العديد من الآثار القديمة للآداب الرهبانيّة. “إن المزمور يطرد الشياطين… ويعطينا الأسلحة لمقاومة شرور الليل”. في كتاب المرج الروحي يحدّثنا المؤلف جوفاني موسكو10 عن الأنبا مارسيلّو الذي كان قد رأى جيشاً من الشياطين آتياً لمحاربته عندما كان يرنم المزامير. وهنالك العديد من الروايات التي تحدثنا كيف ان الشيطان يحاول بشتى الطرق منع هذا النوع من الصلاة، وبما انها فرض ملائكي فترنيم المزامير يطهّر الجسد: “يقاوم العواطف ويهدئ روع نزعات وشهوات الجسد”.

وبما انّ المزامير هي قوانين ضد الشياطين، ولأن الرهبان يحفظون نصوص المزامير عن ظهر قلب، فالوقت المناسب لترنيمها هو الليل، يقول باسيليوس: “لقد اعطيت لنا الشمس لفرض النهار، أمّا ترنيم المزامير فتساعدنا على الا نخسر دون جدوى النصف المتبقي من حياتنا في كسل النعاس”.

لقد تطوّر مفهوم الساعات القانونية للصلاة في الحياة النسكية بسرعة فائقة، وكان حضور هذا الصوات الزاما، فبحسب قوانين باخوميوس11 فالضيوف الذين كانوا يأتون في هذه الأوقات كان عليهم الدخول إلى الكنيسة للصلاة مع الرهبان، أمّا باسيليوس فقد سمح ولأسباب جداً خطيرة فيما لو تعذّر على أحد الرهبان الحضور إلى هذه الصلوات، وفي هذه الحالة يتوجب عليه بشكل من الاشكال أن يتّحد روحيّا بالصلاة مع جماعته.

لكن يجب أن نلاحظ أن هنالك في ترنيم المزامير بعضاً من عدم التلآئم “فيشير ايفاغريوس12 ان ترنيم المزامير ينتمي إلى الحكمة متعددة الاشكال، في حين ان الصلاة هي دَوزَنة للمعرفة الروحية الموحّدة غير الماديّة”. هنا علينا قراءة كاسيانو الذي يشير بشكل بديع إلى هذا النوع من الخبرة: “لا تقوم النفس الا بالعبور من هذا المزمور إلى ذلك الآخر، وتقفز من هذا النص الانجيلي إلى رسائل الرسول بولس، من هنا تتهاوى على الانبياء ومن هناك تلتفت إلى التاريخ المقدس وبدون توقّف أو تشرّد، تتأرجح ذات اليمين وذات الشمال في مجمل جسد الكتب المقدّسة غير قادرة على الحيادة عن واحدة منها أو القدرة على اختيار أي شيء على مرامها، أن تفهم أو أن تستنزف شيئاً ما، فهي لا تقوم الا بلمس وتذوّق الحس الروحي دون التحوّل إلى متخصصة بارعة فيها أو تقيم نفسها سيدة عليها”.

هكذا اذن، فبحسب شهادة نفس الكاتب ففي أدير مصر فإن عدد المزامير الواجب تلاوتها لم يكن محدداً فكل واحد كان عليه أن يجد: “المقياس المعقول” الذي يناسبه شخصيّاً وذلك تبعاً لارشاد معين أو تحت تعليمات أحد المعلمين الروحيين.

1: 3- الليتورجيا:

        إن التقوى الرهبانيّة والحياة الليتورجية كانتا على الدوام متّحدتان، فالليتورجيا تأخذ قسطاً مركزيّاً من حياة الرهبان على الاقل لسببين رئيسيّين هما: أولاً ان الحياة الرهبانيّة هي حياة صلاة، فهذه الصلاة يجب أن تكون بشكل أساسي صلاة كنسيّة، وثانياً للانفصال عن العالم. وفيما يخص الاشارات التي تتناول موضوع الحياة الليتورجية فهنا يشرح لنا لماذا هي هكذا وجيزة للغاية كما وأنها عامّة في الوثائق المسيحيّة الاولى، فمن هذه الناحية يطيب لنا الاجابة قائلين بأن الرهبان كانوا يريدون ببساطة المحافظة على تقاليد الكنيسة التي ارتأت منذ الأزمنة الأولى ان تصلّي في أوقات محدّدة وبشكل خاص في بداية النهار وخاتمته. ومن ثم في العصور اللاحقة تبعوا التوجيهات الليتورجية للكنائس المحلّيّة التي طوّرت فرض الصلاة بحسب حاجاتها.

لكن وبسرعة حصل وان الاديرة امتلكت (سواء من ناحيّة الجودة أو من ناحيّة الكمّيّة) العديد من الطرق للمساهمة في إيصال الطقوس إلى حدٍ ما من الكمال، وبهذا ساهمت الأديرة بشكل بارز للعيان بتشكيل الطقوس الشرقية، فالاحتفالات الطقسية كانت تدوم لساعات طوال والاساقفة كانوا مختارين من بين الرهبان، فلهذا هم قادمون من الاديرة، لذلك فقد طرحوا “الليتورجيا الرهبانيّة” في حياة الابرشيات. وهكذا وبمرور الايام تبنى حتى الاكليروس العلماني الالحان والتقاليد الديرية في اداء الصلوات الطقسية. لذا يصحّ القول بأن الطقوس الشرقية مثل هذه قد وحّدت ميزات رهبانية خالصة في طقوسها.

إن الهيأة الاسرارية للطقس تتناول الرموز المرئية للجودة التي تحوزها الكنيسة لكي تكون بذلك جسد المسيح. فالمؤمن يكون غاطساً في سرٍ كامل لأن عبر عناصر هذا العالم يتجلى له العالم الجديد للقيامة في المسيح. كلمات وحركات، صور وأصوات، أشخاص وأشياء، هم سواء كما نجدهم في حياتنا اليومية لكنهم مملوؤن بمسحة الروح القدس الذي يخلق الانسان الجديد ويجدد كل شيء.

        إن كلا الشكلين التأمّلي والاسراري للطقس قد بصما بصورة قويّة التقوى الرهبانيّة عبر العصور. فاذا كانت جماعة الايسيكاستيين13 يمتنعون بعض الاحيان من المشاركة في الاحتفالات الطقسية الجماعيّة، فهذا كان للتذكير بأن هدف أي ليتورجيا هو أن تقود إلى ليتورجيا القلب، وذلك بحسب تعبير غريغوريوس السينائي14: “القلب المتحرر من الافكار والذي يحركه الروح هو معبد حقيقي حتى قبيل الحياة المستقبلية”.

        فكتاب الفيلوكاليا15 يصطبغ بمجمله بهذه الحركة التي تنطلق من الليتورجيا المرئية لتصل إلى التأمل الصوفي، فالنصوص والحركات والألحان تفهم كأنها تحضير لليتورجيا السماويّة، لذا فهو تجاوب عميق لليتورجيا الجماعيّة والخبرة الداخلية للقديسين.

تأليف: توماس شبِدْلِكْ / ترجمة: الأنبا سامر صوريشو يوحنا الراهب

الهوامش:

1 تأليف: توماس شبِدْلِكْ، و مؤلفان مساعدان هما: ميكيلينا تيناچي وريچارد كيموس، والكتاب هو من منشورات دار ليپا بالتعاون مع مركز أليتّي التابع للمعهد الشرقي الحبري. نشرت الطبعة الاولى للكتاب باللغة الفرنسية في روما سنة 1999، أما الطبعة الاولى من الكتاب المترجمة إلى اللغة الايطالية والواقعة في 360 ص -والتي منه تأتي الترجمة العربية- فنشرت في روما سنة 2007 قامت بها الاستاذة ماريّا كامپاتيلّي. توماس شبِدْلِكْ (الأب الكاردينال): ولد في بوسكوفتچ من أعمال مورافيا (الچيك) سنة 1919، أنهى دراساته في الفلسفة واللاهوت في العديد من الجامعات الاوروبية، ومنذ عام 1954 بدأ بتدريس اللاهوت والروحانيات والآباء والشرقيات في جامعة الغريغوريانا وفي العديد من الجامعات والمعاهد الحبرية، عمل كمرشد روحي في معهد “نيپوموچينو” الحبري في روما  لمدة ثلاثين عاماً، يعيش ويعمل في مركز أليتّي التابع للمعهد الشرقي الحبري، له العديد من الدراسات والطروحات العلمية والمهمة وخاصة في مجال اللاهوت الروحاني المشرقي.

2 هذه المقدمة هي عبارة عن مقتطفات من تقديم الكتاب ومقدمته اخترناها لتزيين مستهل هذه الحلقات. إن هذا الكتاب هو دراسة علمية معاصرة اعتمدت بالاساس على عدة مصادر ودراسات اوروبية حديثة وكذلك على كمٍّ هائل من الوثائق والمصادر باللغات القديمة، فهذا البحث لايخلو فيه سطر من هامش أو تعليق أو إشارة الى المصادر، لذا فقد ارتأينا عدم ذكر تلك الهوامش لكثرتها وللارباك الحاصل من جراء وضعها، وننصح الباحث المختص بالرجوع اما الى طبعة الكتاب بالفرنسية أو الايطالية المشار اليهما للاستفادة من المصادر. أما بقية الهوامش المدرجة في المقال فهي عبارة عن ايضاحات للتعابير والمفاهيم الغامضة والشخصيات الوارد ذكرها في النص، وهي من وضع المترجم، اعتمد في اغلبها على الموسوعات الالكترونية وبخاصة موسوعة ويكيبيديا باللغتين الانجليزية والايطالية.

3 الأب سيرجي نيكولافيتش بولگاكوف: ولد في ليفني 28/6/1871 – وتوفي في باريس 12/7/1944، لاهوتي اثوذوكسي روسي ويعتبر فيلسوفاً وعالم اقتصاد. ولد في عائلة ارثوذكسية من أب كاهن، درس في كلية الحقوق بجامعة موسكو حيث درس باجتهاد أيضاً علم الاقتصاد السياسي. اعجب بالماركسية فدرسها والتحق بحركتها، ومن بعد لقائه بليو تولوستوي عاد الى رشده الايماني واصبح من مناهضي الماركسية، فكتب العديد من الاعمال الفكرية المثالية والف اهم الاعمال اللاهوتية الارثوذكسية المعاصرة، سيم كاهنا عام 1918، ودرّس اللاهوت العقائدي والقانون في براغ، وساعد في تأسيس معهد القديس سيرجيوس اللاهوتي في باريس الذي كان فيه مديرا واستاذا للاهوت العقائدي حتى وفاته، وآخر عمل له كان في سفر الرؤيا.

4 في هذه الحلقات سيكون الفصلان الخامس والسادس موضوع اهتمامنا، إذ بذلك نكون قد غطينا موضوع شعار رهبنتنا “بالصلاة والعمل نبشّر” التي تحتفل في هذه السنة بالذكرى الـ(200) للتأسيسها. علماً أن هذا الكتاب يتكون من سبعة فصول والتي تقسّم بدورها الى مفاصل عدة، اذ يتناول المؤلف في الفصل الاول من الكتاب نبذة عن تاريخ الحياة الرهبانية في المشرق وبعض المقارنات التاريخية، وفي الفصل الثاني يأتي الى موضوع الرهبان كرجال الله، وفي الفصل الثالث يتطرق الى المشورات الانجيلية باسهاب وتفصيل، وفصله الرابع هو مخصص للحياة النسكية ومبادئها وممارساتها ومبدأ هجر العالم، أما الفصل الخامس فيتناول ركن الصلاة واهميتها في الحياة الرهبانية، ومن ثم الفصل السادس الذي ينقسم بدوره الى مفصلين مهمّين الأول العمل الرهباني والثاني رسالة الرهبان، أما الفصل الاخير من الكتاب فيتحدث عن اشكال الحياة الرهبانية.

5 هي حركة رهبانية تعود الى القرن الرابع في بلاد ما بين النهرين أسسها اديلفيو الذي كان يؤكد على ان تبعا للخطيئة الاصلية لآدم فان جميع البشر امتلكوا شرا ملازما للنفس والذي لايمكن هزيمته من خلال اسرار الكنيسة (إذ كانوا ينكرون اسرار الكنيسة) لكن فقط من خلال الصلاة المستمرة التي تقدر على محو اي عاطفة أو رغبة. لكن كتابهم المرجعي تم حضره في العديد من المجامع الكنسية سواء الارثوذكسية أو النسطورية. هذه الجماعة لم تكن تعمل بتاتا وكانت معيشتهم تعتمد على الصدقة، اشتهروا بصلواتهم الطويلة والرقصات المرافقة لها.

6 الأجيميتيين: من اليونانية وتعني اولئك الذين لا ينامون، وهم رهبان بيزنطينيون يتبعون جماعة اسسها القديس اليسّاندرو الأجيميتي في بدايات القرن الخامس، الذين اتخذوا في البداية خليج البوسفور موقعا لهم ومن ثم انتقلوا الى بيزنطية، ومن الاسم يستدل على نمط حياتهم، اذ كانوا ينقسمون الى مجاميع تتوالى على ترنيم المزامير بصورة متواصلة ليل نهار. ولأن الامبراطور جوستينيانو لم يكن راغباً بهم فقد اتهموا بالنسطرة وحوكموا من البابا يوحنا الثاني سنة 534 ولا نجد لهم اي أثر في حوالي نهايه القرن السادس.

7 أوريجانوس (185- 254): كان من ابرز اوائل آباء الكنيسة المسيحية. ويعتقد ان يكون قد ولد في الاسكندرية وتوفي في قيصرية 254. كتاباته هامة بوصفها واحدة من أولى المحاولات الفكرية لوصف المسيحية. كان أبويه مسيحيين ومن الأتقياء، وكان ذو عقلية فذّه وصار نابغة في العلم رغم حداثة سنه. وأشتهر أيضاً بمساندته وتشجيعه للمؤمنين الذين يتعرضون للأضطهاد وكان يقويهم في الإيمان حتى يستشهدوا. ووصل إلى أن يكون مديرا لمدرسة الإسكندرية المسيحية وهو في سن الثامنة عشرة بعد أن عينه البابا ديميتريوس الأول البطريرك الـ 12 رئيسا لمدرسة الأسكندرية اللاهوتية خلفا لأكليمنضس الأسكندري. كان نَشِطاً في تفسير الكتاب المقدس والدراسات الإنجيلية المُقارنة. وقد كتب أكثر من 6000 تفسيراً للكتاب المقدس، بالإضافة إلى كتاب الـ”هيكسابلا” الشهير.

8 باسيليوس الكبير: ولد مابين 329 و333- توفي 1ك2 سنة 379، اسقف قيصرية في قبدوقية وهو اللاهوتي الاكثر تأثيرا ودلالة في القرن الرابع، وكان لقدرته على الموازنة بين المبادئ اللاهوتية والعلاقات السياسية الاثر البالغ في جعله مدافعاً مشهورا لموقف المجمع النيقاوي. وفضلاً عن العمل اللاهوتي الكبير، كان باسيلوس معروفا باهتمامه بالفقراء والمهمشين فهو يعتبر قديسا لكل من التقليدين الكنسيين الشرقي و الغربي على السواء. ويشكّل باسيليوس مع غريغوريوس النازيانزي واخيه غريغوريوس النيصّي مجموعة الآباء القبدوقيين او المدافعين، واعطته الكنيسة الشرقية الارثوذكسية والكاثوليكية لقب الكاهن المبجل، فيما اطلقت عليه الكنيسة الرومانية الكاثوليكية لقب معلم الكنيسة. ويشار اليه ايضاً باسم “كاشف الاسرار السماوية”. وكان لباسيليوس الدور الواسع في تاسيس الخطوط العريضة للحياة الرهبانية مركزا على نمط الحياة الجماعية والصلاة الطقسية والعمل اليدوي، وفي المسيحية المشرقية يعرف مع القديس باخوميوس بأب الرهبانية الجماعية الديرية.

9 كاسيانو الراهب أو المعروف بالناسك: (360- 435) كاتب يوناني – روماني ولد فيما يعرف الآن بدولة رومانيا، اهتماماته الاساسية ككاتب هي الحياة النسكية والرهبانية. وبالرغم من انه تعلم ضمن حدود الامبراطورية الشرقية على يد العديد من اباء الصحراء الا ان اول عمل معتبر له صدر في بلاد الغال. لقد كان مناصرا للاهوت اوريجانوس، وعاش في القسطنطينية حتى بعد رفض تعاليم اوريجانوس، وهناك عمل مع القديس يوحنا الانطاكي قبيل ان ينطلق الى مرسيليا حيث اسس هنالك ديرين اثنين. كتب العديد من الكتب في الحياة الرهبانية تهدف الى تقديم الحياة الديرية وشرحها اكثر من كونها كتب زهدية، وحاول من خلالها شرح كيف ان فضائل الراهب المنعزل ممكن ان تكون فضائل جماعية.  

10 يوحنا موسكو: (540/550 – 619/643) راهب بيزنطيني مؤلف لنصوص سير حياة القديسين، كتب ترجمة حياة يوحنا أليمون، وكذلك ألّف كتاب المرج الروحي، والذي يعتبر مجموعة من الحكايات والنوادر والأقوال لرهبان الصحراء، والذي كان له الانتشار الواسع في عصر النهضة.

11 القديس باخوميوس: (292-15/5/348) راهب مصري، عسكري سابق، يعتبر مؤسس الحياة الديرية الجماعية، ويعتبر قديسا في العديد من الكنائس منها الكاثوليكية والتي تحتفل بذكراه 9 آيار، والارثوذوكسية والقبطية اللتان تحتفلان بذكراه 15 آيار. سنّ أقدم القوانين الخاصة بالحياة الرهبانية الجماعية والتي نجدها لحد اليوم، ويعتبر مؤسس أول دير رهباني حوالي سنة 320، وفي القرن الرابع كتبت عنه سيرة حياة رهبانية سمّيت “سيرة حياة باخوميوس”.

12 ايفاغريوس البنطي: (345- 399): راهب وناسك من اشهر شخصيات الكنيسة في نهاية القرن الرابع عرف بالمفكر الحذق والمتكلم اللامع والكاتب الموهوب. خلال خدمته كان معروف كصديق موثوق للعديد من رؤساء الكنيسة المعاصرين له والمؤثرين مثل غريغوريوس النازيانزي والنيصّي ومقاريوس المصري وثيوفيلوس الاسكندري ونيكتاريوس القسطنطيني. ولد في عائلة مسيحية في قرية صغيرة تدعى ايبورا من اعمال المقاطعة الرومانية بونتوس، سيم شماسا ورئيس شمامسة على يد باسيليوس في القسطنطينية. عندما دعا الامبرطور ثيودوسيوس الأول الى المجمع المسكوني الثاني 381 وقف ايفاغريوس الى جانب غريغوريوس ولعب دورا مهماً في الحرب الناجحة ضد الآريوسية. بعدما قاده الغرور والعواطف الى العديد من التجارب منها الافتنان بامراة متزوجة لكن قبل حدوث اي شيء بينهما اتته رؤيا مما جعله يهرب الى اورشليم، ومكث هناك قليلا من الوقت في احد الاديرة لكنه لم يستطع نسيان مجده الواهي فسقط مريضاً لكنه لم يشف حتى وصل الى صحراء مصر حيث مكث اكثر من 14 عاما هناك متابعا دروسه على يد كل من مقاريوس العظيم ومقاريوس الاسكندري.

13 جماعات رهبانية تواجدت في المشرق بالعموم وبين رهبان  جبل آثوس خصوصاً كان لهم كمبدأ حياة مفهوم السكينة الروحية والتأمل الروحي الذي يدعونا الى تشبيهه بالعالم الهندي، والتي تدوم ممارستها الى فترات طويلة مصاحبة بترديد عبارات  وجمل معينة مثل: “أيها الرب يسوع المسيح، إرحمنا”.

14 اصله من اسيا الصغرى عاش في حوالي النصف الاول من القرن الرابع عشر تجول كثيرا ومن جبل سيناء اخذ لقبه، وصل الى جبل آثوس في أثينا واعلن البشرى السارة وجمع له جملة تلاميذ رهبان معلما اياهم الحفاظ على صلاة الفكر، وفي زمن لاحق اصبح اسقفا للقسطنطينية، له خمس مقالات في كتاب الفيلوكاليا، ان تعاليمه الروحية وحياته النسكية كانت مثالا هيمن على شكل الحياة الرهبانية في القرن الرابع عشر، وكان لكتاباته الاثر البالغ في انتشار الصلاة القلبية في الشرق.

15 حرفيا: حب الجمال، وهو مجموعة من النصوص الروحية الرهبانية والنسكية للكنيسة الارثوذكسية طبعها في كتاب كل من نيقوديمو من جبل آثوس ومقاريو القورنثي باللغة اليونانية في مدينة البندقية سنة 1782.