المقدمة

منذ البدء، وجدت الكنيسة الكاثوليكية نفسها منخرطة في عمل الكرازة والتعليم المسيحي، ووجدت من خلال أدوات الإتصال الدعم القوي لنشر قيمها ومبادئها، وتعزيز الحوار المسكوني بين الأديان، وبناء مجتمع يحترم كرامة الإنسان.

بالحقيقة ومن خلال التفاعل مع الأخبار المنشورة والمسموعة، يتضح سبب أهمية التواصل لكنيسة الألفية الثالثة، فالسؤال المطروح هو: لماذا أصبح التواصل دعمًا لا غنى عنه لفهم الثقافة المعاصرة، وكمساعدة لا غنى عنها في رسالة التبشير المناسبة للكنيسة التي يتجلى حضورها الاجتماعي بشكل متزايد للمجتمع من خلال وسائل الإعلام؟

تمثل دراسة التواصل في آلياتها داخليًا وخارجيًا اليوم تحديًا حقيقيًا للكنيسة عالميًا ومحليًا، من خلال مقارنة تعليم الأجيال الجديدة مع الثقافة الجديدة التي تولدها وسائل الإعلام، وللقيام بذلك، يجب على أولئك الذين يعملون في وسائل الإعلام الكنسيّة تعميق الصلة بين الإيمان والمهنة وإعادة اكتشاف المسؤولية المسيحية كجزء من المجتمع المعولم.

بالإضافة إلى ذلك، علينا أن نتعامل أيضًا مع الأماكن المشتركة التي تميز هذه العلاقة، تلك المتعلقة بموقف وسائل الإعلام تجاه الكنيسة، والتي تفتقر إلى الكثير من الخبرة والمعرفة بالقواعد المهنية للنظام الإعلامي، وهي مصدر الخلافات التي ينقسم عليها الرأي مع إيمان الجمهور؛ وتلك المتعلقة بموقف وسائل الإعلام تجاه الكنيسة، مثل اعتبار أن الصحافة تجد صعوبة في استيعاب البعد الروحي للحقيقة الإيمانية.

التواصل الكنسي

علينا أن نعلم أن التواصل الكنسي لديه عدة غايات منها: توصيل الإنجيل، وإعلام المؤمنين، وتعزيز الهويّة المسيحيّة والانتماء الكنسي، والتعامل مع الأجيال الجديدة، وفتح الحوار بين الناس. للقيام بكل هذا، ولإعطاء المعلومات الدينيّة التي توثق أنشطة الجماعات الكنسية المختلفة، نحتاج إلى احتراف مهني دقيق ومتأهب، ومعرفة معمقة بالواقع الكنسي.

ليس هناك شك في أن الكنيسة الكاثوليكيّة تصنع الأخبار المختلفة وتتحدث بمختلف المجالات منها السياسية والاقتصادية والأخلاقية …إلخ، حتى لو كانت مهمتها هي التبشير والتحدث عن الله، فإنها غالبًا ما تفعل ذلك أيضًا للتواصل مع المجتمع في وسائل الإعلام.

إن تحديد المبادئ التوجيهية للتواصل على المستوى المحلي الإيبارشي هو تتبع العملية التأسيسية للتواصل من خلال تحليل الوضع الإجتماعي لتحديد الأهداف والمحتويات الممكنة والأدوات وطرق التواصل؛ لذلك يتم تحديد الهيكل التنظيمي، وطرق الإعلان والتدريب بما يلزم من أنشطة المراقبة والتحقق والتقييم، والدخول في تفاصيل المواضيع الفردية، على سبيل المثال، ما الذي نفكر فيه عندما نتحدث عن متلقين للتواصل الداخلي مع الكنيسة؟ ما هو التواصل؟ من الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار؟ ما هي الأدوات المتاحة؟ ما هي المنهجيات؟ وهل هناك خطة تنظيميّة واستراتيجية شاملة؟

من بين الملاحظات العديدة والمهمة هي تلك المتعلقة بوظيفة الاستماع[1]، والتي هي لحظة تأهيل حتى لو تم تجاهلها في كثير من الأحيان لأي عملية تواصل.

يسمح لنا الاستماع “بالتحقق” من خلال جودة تداول المعلومات، أنواع المحتوى وتداولها واستخدامها المثالي، والأساليب وأدوات الاتصال التي يتعين إضفاء الطابع الرسمي عليها، ومساحات وطرق الاتصال غير الرسمي، والهيكل التنظيمي الداعم لتداول المعلومات، ومهارات العاملين (مهارات محددة ومهارات واسعة الانتشار).

مهما كانت الأدوات المستخدمة من: الإرسال (معلومات أحادية الاتجاه، الصحافة، الراديو، السينما، التلفزيون)، المعالجة (إدارة بيانات المعلومات)، التخزين (قواعد البيانات، الكتالوجات، الأدلة)، التحديث (تسهيل عمليات الاتصال وعقد المؤتمرات من خلال الشبكات الألكترونية عن بُعد)، كل هذه هي بحاجة لإستراتيجية تبرز وتحدد الهيكل التنظيمي المناسب لأهداف الاتصالات الداخلية والخارجية المحددة.

توجيهات مؤسساتية

لأجل توجيه المؤسسة وجعلها تعمل بشكل جيد على وجه الخصوص؛ علينا التعريف بهويتها وقيمها وأهدافها وخدماتها وتنظيمها وإجراءاتها؛ لتغيير الطريقة التنظيمية الموجودة والتدخل في جميع المناسبات التي تتاح فيها الفرصة للأعضاء للتعبير عن آرائهم، وهذا سيؤدي إلى إدراك التحدي الجديد الذي يشكله التواصل التنظيمي، لتلك المجموعة من العمليات الإستراتيجية والتشغيلية لإجل إنشاء وتبادل المعلومات والرسائل القيمة داخل شبكات العلاقات التي تشكل جوهر المؤسسة، والتي تشمل أعضاء داخليين في المجتمع (المتعاونين الداخليين)، والخارجيين (مواضيع خارجية محتملة).

من هذا المنطلق يصبح التواصل أداة أساسية لتطوير وعمل المؤسسة، ويسعى إلى الشفافية لتعريف المجتمع الكنسي الحقيقي (الهوية، وليس الصورة)، ويتيح الفرصة للتخطيط من خلال عدم الإشارة إلى الجمهور المستهدف فقط ولكن لأهداف إجتماعية.

أما التواصل التنظيمي فيشمل: تفعيل مبادرات التواصل في مختلف خطوط ووظائف المجتمع، وإدارتها من قبل الجهات المختصة وتحويلها إلى الداخل والخارج، ومبادرات التواصل بالمعنى الدقيق الذي تم إنشاؤه لإدارة ونشر أنشطة وأدوات التواصل، والمبادرات المتأصلة في النشاط الإداري والمبادرات الإدارية لمنظمات المجتمع.

في هذا السياق نذهب إلى التفكير في نشرة الأيبارشيّة، التي يُنظر إليها على أنها حافز، حيث لا ينبغي قراءة كل الأخبار بشكل سلبي ولكن أيضًا على أنها إثراء، لأن ما نكتبه يجب أن يجعلنا نتأمل ونشارك في المجتمع وفي الأسرة، للتواصل مع العائلات، وخلق مساحات للحوار، وطرح الأسئلة.

كما علينا ان نفكر أن نشرة الأبرشية يجب أن تكون صوت الشعب، ومصدرًا للأفكار ومحفزاً للحوار، ومروجًا لشبكة من العلاقات وأداة للمعلومات والتدريب، لتحقيق أقصى استفادة. كما أن صفحات الويب والرسائل الإخبارية والمنتديات الاجتماعية هي لحظات أخرى ذات اهتمام وتفاعل قويين على مستوى الأيبارشي تسمح أيضًا بتوسيع مستوى المواجهة “المحلية” التي تميز تواصل عصرنا.

الخاتمة

في الختام، علينا أن نعمل على إعطاء معنىً لحضور الكنيسة، مع توضيح أن الكنيسة كمؤسسة تعمل بشكل جيد للبشرية كونها حقيقة روحيّة وإنسانيّة تتصرف بأمانة وتسعى للحفاظ على الاستمرارية في المسيح.

يجب أن تكون وسائل الإعلام الكاثوليكيّة منتبهةً للأخبار والتدريب المستمر، وأن تكون قادرة على تعريف هوية المؤسسة الكنسيّة عن طريق نقل وجهات النظر المؤسساتيّة؛ لتوفير البيانات والسياق حول القضايا ذات الأهمية العامة، وتقديم عناصر للتفاهم والمناقشة والحوار الاجتماعي.

علينا أن نتغلب على تلك الرؤية المشوهة التي تقول إن الكنيسة كمؤسسة ليست أو لم تكن كما تدعي أنها؛ كهيكل، فإنها تسلط الضوء على جوانب تتعارض مع المجتمع الحديث والديمقراطي، مع التقدم والتسامح؛ كمؤسسة دينية ترحب بالأعضاء الذين لديهم القليل من السلوك الإنجيلي، يجب أن تكون وسائل الإعلام الكاثوليكية منتبه للغة التي تستخدمها.

إن التفكير في مجموعة المنتجات التحريرية المحلية والوطنية والتقليدية والتكنولوجية، أظهرت بعض الآمال في دور وسائل الإعلام الكاثوليكيّة، والتي لا ينبغي أن تؤثر على جدول الأعمال العلماني للمجتمع، إذ لا ينبغي أن تؤذي نفسها ولا يجب أن تفشل في الاستجابة للصعوبات التي يمكن للجميع رؤيتها.

الأب يوسف يونو عجم الراهب


[1] يعني الاستماع تفعيل العمليات التي تسمح لنا بفهم الاحتياجات والمشكلات التواصلية المختلفة في المجتمع.